ختم الدولار الأمريكي تعاملات الثلاثاء في الاتجاه الهابط لصالح عملات أوروبية والعقود الآجلة للذهب، وذلك استمرارًا لمسلسل تراجع العملة الأمريكية بعد أن تأثرت كثيرًا ببيانات إيجابية أدت إلى تحسن في شهية المخاطرة في الأسواق وتصاعد توقعات خفض الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي.
وختم الدولار الأمريكي التعاملات في وول ستريت الثلاثاء بهبوط استكمالًا لمسلسل التراجع الذي بدأ في نهاية الأسبوع الماضي عقب ظهور نتائج اجتماع الفيدرالي وتصريحات جيروم باول في منتدى جاكسون هول.
وألقت هذه التصريحات الضوء على أن هناك ميل إلى خفض الفائدة في سبتمبر المقبل، وهي التوقعات التي تعززت بتصريحات ماري دالي، عضوة اللحنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، التي رجحت كفة خفض الفائدة في الاجتماع المقبل للجنة.
وظهرت دفعة من البيانات زادت من الضغوط التي تقع على كاهل العملة الأمريكية، إذ أشارت إلى زيادة في ثقة المستهلك الأمريكي في أغسطس الجاري. وارتفع مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن كونفرانسبورد إلى 103.3 نقطة في أغسطس مقابل القراءة السابقة التي سجلت 101.9، مما يشير إلى تحسن انعكس إيجابيًا على شهية المخاطرة في أسواق المال العالمية.
وتراجع مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل سلة العملات الرئيسية، إلى 100.74 نقطة مقابل الإغلاق اليومي الماضي الذي سجل 100.85 نقطة. وارتفع المؤشر إلى أعلى مستوى له في يوم التداول الجاري عند 100.93 نقطة مقابل أدنى المستويات الذي سجل 100.71.
خفض الفائدة
أشارت نتائج اجتماع الفيدرالي الصادرة الأربعاء إلى أن هناك إمكانية لبدء البنك المركزي خفض الفائدة في اجتماع سبتمبر المقبل.
واكدت أن “الأغلبية العظمى من المشاركين في الاجتماع الذي انعقد في 30 و31 يوليو الماضي رأوا أنه حال استمرار البيانات في إظهار توافق مع توقعات الأسواق، قد يكون من المناسب أن يبدأ البنك المركزي التحول إلى التيسير الكمي في الاجتماع المقبل”، وفقًا لملخص محضر اجتماع يوليو للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة.
يأتي ذلك بينما تسود الأسواق توقعات بأن هناك خفض للفائدة في سبتمبر المقبل، الذي من شأنه أن يكون الخفض الأول منذ بدء الفيدرالي رفع الفائدة استجابة للارتفاعات الهائلة في التضخم الأمريكي في وقت الوباء.
وبينما صوت جميع الحضور في الاجتماع على الإبقاء على معدل الفائدة الفيدرالية دون تغيير، ظهر ميل واضح بين المشاركين إلى البدء في خفض الفائدة في اجتماع يوليو الماضي، وهو الميل الذي ظهر في حديث عدد غير محدد من أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، وذلك بدلا من الانتظار حتى سبتمبر المقبل.
وتضمن حديث جيروم باول أمام منتدى جاكسون هول الجمعة الماضية أقوى إشارة إلى خفض الفائدة في الاجتماع المقبل للحنة الفيدرالية للسوق المفتوحة استنادًا إلى التراجع الملحوظ في قراءات التضخم الأمريكي والتدهور في أوضاع سوق العمل في الولايات المتحدة.
وقال باول: “تلاشى خطر ارتفاع التضخم تماماً تزامنًا مع ارتفاع خطر المزيد من التدهور في أوضاع سوق العمل”، وذلك أثناء حديثه أمام منتدى جاكسون هول الذي يضم كبار صناع السياسة النقدية والسياسات المالية والاقتصادية حول العالم.
وأضاف رئيس البنك المركزي، في أوضح إِشارة إلى تحويل مسار السياسة النقدية إلى التيسير الكمي: “حان الوقت لإعادة توجيه السياسة النقدية، وأصبح مسار الرحلة واضحًا”.
وجاءت هذه التصريحات لتعبد الطريق أمام البنك المركزي ليتجه إلى أول خفض للفائدة بعد رحلة طويلة استمر خلالها في رفع الفائدة لمكافحة الارتفاعات الحادة في معدلات التضخم في الولايات المتحدة.
وقالت عضوة اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة ورئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو ماري دالي الاثنين الماضي: “من الصعب أن نتصور أن هناك ما قد يعرقل خفض الفائدة في سبتمبر”.
وأضافت، في مقابلة أجرتها معها شبكة بلومبرج الاقتصادية: “أرى أنه من المناسب تغيير اتجاه السياسة النقدية، فلا نريد أن نكون في موقف تسوده سياسة نقدية تشديدية بينما يظهر الاقتصاد تباطؤ”.
وتفادت دالي الإجابة عن أسئلة عن وتوقيت وحجم خفض الفائدة المستقبلي، مرجحة أنه من “من المبكر للغاية أن نعرف بالضبط ما هي الأساليب التي ستستخدم” في الفترة المقبلة.
وأكدت: “لا نعرف شيئًا واحدًا – هو أن اتجاه الفائدة المستقبلي هو إلى أسفل”.
الذهب هو المستفيد الأكبر
يواصل الذهب الصعود منذ مستهل جلسة الثلاثاء بدفعة من تعثر الدولار الأمريكي الذي يستمر في المعاناة من توقعات المسار المستقبلي للفائدة الفيدرالية وظهور بيانات إيجابية أسهمت في تحسن شهية المخاطرة في أسواق المال العالمية.
ويستمر المعدن النفيس في إظهار أداء قوي، محققًا المزيد من الأرقام القياسية. وارتفعت العقود الآجلة للذهب إلى 2553 نقطة مقابل الإغلاق اليومي الماضي الذي سجل 2548 دولار للأونصة. وهبطت عقود الذهب إلى أدنى مستوى لها في يوم التداول الجاري عند 2544 دولار مقابل أعلى المستويات الذي سجل 2563 دولار.
هذا بالإضافة إلى التوترات في الشرق الأوسط التي تسهم إلى حدٍ كبيرٍ في إذكاء المخاوف حيال زيادة التوترات الجيوسياسية واتساع نطاقها في المنطقة.
واستمد الذهب زخم الصعود الحالي من توترات اتسع نطاقها في الشرق الأوسط على مدار نهاية الأسبوع الماضي، إذ أعلن وكان الجيش الإسرائيلي قد قال الأحد إن طائراته قصفت بشكل استباقي الآلاف من منصات إطلاق الصواريخ التابعة لحزب الله في جنوب لبنان، بعد توافر معلومات عن أن استعداد الحزب لشن هجوم على إسرائيل.
فيما أكد حزب الله إطلاق قواته مئات الصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل بعد ذلك، في رد “أولي” على اغتيال أحد كبار قادته الشهر الماضي، مشيرا إلى أن خطة استهدافه قاعدة غليلوت القريبة جدا من تل أبيب لم يتم إحباطها كما تزعم إسرائيل.
وجاء هجوما الأحد بين حزب الله وإسرائيل في إطار تصعيد حاد مستمر منذ عشرة أشهر في ظل تبادل إطلاق النار بشكل شبه يومي عبر الحدود، الأمر الذي يثير مخاوف من اندلاع حرب شاملة بين الطرفين.