مع افتتاح التعاملات اليومية في مستهل أسبوع التداول الجديد، ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي إلى مستويات قياسية متأثرة بإعلان روسيا إغلاق خط الغاز الموصل من الأراضي الروسية إلى أوروبا نورد ستريم1 إلى أجل غير مسمى الجمعة الماضية.
وبعد أسابيع طويلة من التقلبات الشديدة في حركة سعر العقود الآجلة والفورية للغاز الطبيعي، ارتفعت الأسعار العالمية للغاز بحوالي 26% في جلسة التداول الأولى من الأسبوع الجديد.
ومن المتوقع أن يمرر ارتفاع الأسعار العالمية في وقت قريب إلى فواتير الطاقة للمستهلكين الأوروبيين وسط غياب الحماية التي يوفرها سقف الأسعار عن أغلب شركات الطاقة الأوروبية، مما يجعل من المستبعد أن يظهر من العوامل ما يحد من ارتفاع الأسعار العالمية للنفط.
وفي حقيقة الأمر، يرى كثيرون أن روسيا تستفيد كثيرا من الارتفاع الحالي لأسعار منتجات الطاقة، خاصة وأنها أكبر مصدر للغاز الطبيعي وثالث أكبر مصدر للنفط على مستوى العالم، لكن هناك الكثير من التساؤلات التي تحيط بهذا الطرح.
وفي محاولة للإجابة عن السؤال الأهم، “هل تستفيد روسيا من الأزمة العالمية للطاقة؟”، لابد من الاعتراف بأن هناك فائدة تعود على موسكو من الأزمة الحالية في منتجات الطاقة من خلال تحقيق عائدات أكبر من تلك المنتجات.
لكننا نرجح أن الاستفادة من هذه الأزمة بالنسبة لروسيا قد يكون على المدى القصير بينما تواجه البلاد صعوبات على المدى الطويل حال استمرار الأزمة العالمية للطاقة، وهو ما قد يؤثر على الثقة في روسيا كأكبر مورد للغاز الطبيعي إلى أوروبي علاوة على إمكانية خسارة جزء كبير من نصيب موسكو في الأسواق العالمية.
ومن المتوقع عقب القرار الروسي بوقف ضخ إمدادات الغاز الطبيعي إلى دول الاتحاد الأوروبي، التي تعتمد في تدبير أكثر من 40% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي على الواردات الروسية إلى المنطقة، أن تعاني موسكو من أزمة ثقة.
فعندما يرى العالم الكرملين يقرر، عبر شركة غازبروم الحكومية العملاقة، وقف إمداد الغاز الطبيعي أن أكبر مستورد لهذه السلعة من الاتحاد الروسي على مستوى العالم وأحد أكبر الشركاء التجاريين، فمن المرجح أن تتزعزع ثقة كل من يفكر في الاستعانة بإمدادات الغاز الروسية في إمكانية الاعتماد على غازبروم في توفير احتياجاته من هذه السلعة الضرورية.
أعلنت شركة غازبروم الروسية الحكومية وقف تدفق إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر خط أنابيب نورد ستريم1 إلى أجل غير مسمى، مما يجعل المنطقة الأوروبية في مواجهة شتاء قاسي جدا وتهديدات قد تصل بالمنطقة إلى ركود اقتصادي حاد في الفترة المقبلة نظرا للاعتماد على روسيا في توفير 40 في المئة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي.
وعلى الفور، أدانت العواصم الأوروبية قرار عملاق الطاقة الروسي، إذ كان الجميع ينتظرون استئناف ضخ الغاز في خط الأنابيب العملاق، الذي يمتد لحوالي 1200 كيلو متر تحت مياه بحر البلطيق من منطقة قريبة من سان بطرسبرغ الروسية إلى شمال شرق ألمانيا، السبت بعد الانتهاء من أعمال الصيانة التي أعلنت عنها الجانب الروسي في وقت سابق.
ورجحت صحيفة الإندبندنت البريطانية أن تحرك غازبروم محرك سياسية وأن الكرملين تستخدم الشركة كأداة من أدوات السياسة الخارجية للضغط على الغرب من خلال وقف إمدادات غاز طبيعي تقدر بحواي 170 مليون متر مكعب يوميا والإعلان عن أن هذا الوضع سوف يظل قائما إلى أجل غير مسمى.
وقالت الشركة الروسية إنها اكتشفت “أعطالا” في خط الغاز الطبيعي الذي يمتد إلى أوروبا، لكنها لم تحدد إطارا زمنيا تنتهي فيه عمليات الإصلاح والصيانة لهذا الخط الذي كان يعمل قبل وقف تدفق الغاز بـ 20 في المئة فقط من قدرته. كما أشارت إلى أنها اكتشفت تسريبات زيت في أربعة توربينات في محطة الضخ في مدينة بورتوفايا الروسية.
في المقابل، أدان المتحدث باسم المفوضية الأوروبية إريك مامر قرار الشركة الروسية، قائلا إنه يستند إلى “ذرائع كاذبة”. كما وصف غازبروم بأنها مورد “لا يمكن الاعتماد عليه”، وأنها تقدم المزيد من الأدلة على “استهانة” روسيا بأوروبا.
رد فعل
يرجح أن القرار الروسي جاء في إطار التصعيد الروسي ضد القرارات التي تتخذها قوى الغرب ضد روسيا من إجل إثناء موسكو عن طموحاتها العسكرية في أوكرانيا ومنطقة شرق أوروبا بصفة عامة.
واتفق أعضاء مجموعة السبع على فرض سقف لأسعار النفط الروسي في محاولة لضرب قدرة موسكو على تمويل الحرب في أوكرانيا.
وقال وزراء مالية المجموعة إن تحديد سقف النفط الخام والمنتجات البترولية سيساعد أيضاً في خفض أسعار الطاقة عالمياً. وسيتم تحديد الحد الأقصى للسعر بناءً على مجموعة من العوامل الفنية. وقالت مجموعة السبع “سنستمر في الوقوف إلى جانب أوكرانيا طالما أن الأمر يتطلب ذلك”.
وقالت روسيا إنها ستتوقف عن بيع النفط للدول التي تفرض سقوف أسعار على نفطها.
وقال وزراء المالية في اجتماعهم الافتراضي إن هذه الخطوة “مصممة خصيصا” لخفض الإيرادات الروسية وقدرتها على “تمويل حربها العدوانية”. كما قالوا إنهم يريدون تقليل التداعيات الاقتصادية المدمرة للصراع “خاصة على البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل”.