تعرضت الشركات الأمريكية العملاقة في قطاع التكنولوجيا لخسائر كبيرة في الربع الثالث من 2022، وفقا لتقارير الأرباح الصادرة الأسبوع الماضي مقارنة بالأرباح والإيرادات والإداء المالي بصفة عامة في نفس الفترة من العام الماضي.
ويرى كثيرون أن التراجع الحالي في الأداء المالي، الذي دفع تلك الشركات إلى تسريحات عشرات الآلاف من موظفيها، جاء نتيجة للنمو المبالغ فيه في القيمة السوقية لتلك الشركات في العامين الماضيين بسب اعتماد العالم كله في تلك الفترة على التكنولوجيا التي سهلت العمل من المنازل وتقليل التقارب الاجتماعي بكل أشكاله لتفادي انتشار الوباء.
وكان عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين، أو المعروفون بالخمسة الكبار، قد حققوا نموا ماليا بحوالي 51% انعكس عليها في شكل ارتفاع قيمة أصولها أو ما يمكن أن يقدر بحوالي 1.5 ترليون دولار.
لكن تلك الشركات تدهورا ماليا فاق ما جنته من أرباح ليصل إجمالي تراجع قيمة تلك الشركات في نهاية الربع الثالث من 2022 إلى 2.6%، وهو ما يشير إلى أن عمالقة التكنولوجيا خسرت حوالي 26% من قيمتها مجتمعة.
ونرجح أن خسائر تلك الشركات ليست فادحة مقارنة بالمكاسب “الفاحشة” التي جنتها في العامين الماضيين، وهو ما يجعلنا بعيدا تماما عن وصف المليارديرات ملاك ورؤساء تلك الشركات بأنهم ضحايا لانهيار أسهم قطاع التكنولوجيا، لذا ترى الأسواق تلك الخسائر هائلة مقارنة بالمكاسب التي جنتها تلك الشركات في ظرف استثنائي استمر لعامين في مطاردة العالم.
لذا نرى أن هناك ثلاثة أسباب لهذا الانهيار؛ والتي تتمثل في تراجع الاعتماد على التكنولوجيا على مستوى الخدمات والمعلومات مقارنة بفترة انتشار الوباء، وهو ما أدى إلى انخفاض ملحوظ في الإيرادات والأرباح.
ويشير السبب الثاني إلى أن العالم، منذ القضاء على فيروس كورونا في أغلب أنحاء العالم، بدأ معاناة المعوقات الناتجة عن اضطرابات سلاسل التوريد على مستوى العالم علاوة على التعقيدات التي طرأت على الأسواق العالمية والارتفاعات الحادة في التضخم نتيجة لما سببه الغزو الروسي لأوكرانيا من أزمات عالمية في الطاقة والغذاء، وهو ما جعل تركيز المستهلكين حول العالم على شراء تلك السلع الضرورية على حساب منتجات وخدمات التكنولوجيا.
ويتضمن السبب الثالث تدهور النظرة المستقبلية للاقتصاد العالمي وظهور توقعات على نطاق واسع بأن الاقتصاد العالمي مقبل على ركود بسبب السياسة النقدية التشديدية التي تتبناها البنوك المركزية الرئيسية في إطار مساعيها للسيطرة على التضخم.
وخسرت ميتا، الشركة الأم لفيسبوك، حوالي 67.2% من قيمتها منذ بداية العام الجاري مع خسائر بحوالي 44.5% لأمازون في حين تراجعت قيمة ألفابيت، المالكة لجوجل، بـ 35.6%. وهبطت القيمة السوقية لأبل يحوالي 57% منذ بداية 2022. وخسرت نتفليكس أيضا حوالي 66.00% من قيمتها منذ بداية 2022.
وسرحت ميتا الأسبوع الماضي 11000 موظفا، أو 13% من العمالة. كما كشفت أمازون النقاب عن خطط لتسريح 1000 موظفا. وسرحت تويتر 4400 من موظفيها العاملين بنظام التعاقد في الفترة الأخيرة تمشيا مع سياسات يفرضها المالك الجديد للشركة إيلون ماسك.
ويبدو أن معاناة عمالقة التكنولوجيا على مستوى العالم لم تصل بعد إلى خط النهاية، إذ يأتي تراجع القيمة السوقية والأسهم الخاصة بتلك الشركات وما قامت به من تسريح للعملة وسط تحديات أخرى كانت تلك الشركات بصدد خوضها قبل التعرض لهذا الأنهيار. فأمازون كانت بصدد إجراء تغييرات هيكلية في الشركة العملاقة بينما كانت ميتا تستعد للتحول إلى شركة متخصصة في “الميتافيرس”.
وتضيف النظرة المستقبلية للاقتصاد العالمي وسط السياسة النقدية التشديدية، التي من شأنها الحد من قدرة الشركات على الاقتراض ومن ثم النمو والتوسع، إلى احتمالات أن تطول فترة معاناة العمالقة في قطاع التكنولوجيا.