تعرض الإسترليني للانهيار في ختام تعاملات الاثنين، مما أدى إلى أن تفقد العملة أكثر من 4.00% من قيمتها بسبب مخاوف ذات صلة بالخطة المالية التي أعلنها وزير مالية المملكة المتحدة كواسي كوارتنج الجمعة الماضية.
وكان الهبوط هو العنوان الرئيسي لحركة سعر الإسترليني والأصول البريطانية المتداولة في الأسواق منذ الجمعة الماضية، لكنه تفاقم مع افتتاح تعاملات اليوم الأول من أسبوع التداول الجديد، مما اضطر وزارة المالية البريطانية إلى إصدار بيان لتوضيح بعض التفاصيل الخاصة بالموازنة المصغرة أو الخطة المالية لحكومة تراس.
وقال البيان إن وزير المالية البريطاني كواسي كوارتنج سوف يكشف النقاب عن خطة مالية متوسطة الأجل في 23 نوفمبر المقبل بالإضافة إلى إصدار مكتب مسؤولية الموازنة تقديرات اقتصادية كاملة.
وأضاف البيان أن “الخطة المالية سوف تكشف عن المزيد من التفاصيل عن القواعد المالية التي وضعتها الحكومة، والتي تتضمن بين قواعد كثير ضمان خفض نسبة الدين من الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط”.
وأصدرت الوزارة البريطانية هذا البيان في إطار محاولة لتهدئة مخاوف الأسواق حيال ما أعلنه من قرارات الجمعة الماضية، إذ افتقرت تلك القرارات المعلنة إلى تفاصيل تتناول كيفية استعادة الانضباط في الأوضاع المالية بعد التزامات الإنفاق الهائل التي وضعتها الحكومة على عاتقها لمساعدة الأسر والشركات ومؤسسات الأعمال على التكيف مع فواتير الطاقة الآخذة في الارتفاع جنبا إلى جنب مع الاستمرا في الخفض الضريبي.
تدخل بنك إنجلترا
قال أندرو بايلي، محافظ بنك إنجلترا، في بيان صدر الاثنين إنه يراقب تطورات أسواق المال عن كثب في ضوء التقلبات الحالية للأصول المتداولة فيها.
وأشار البيان إلى أنه “في الأسابيع القليلة الماضية، أعلنت الحكومة عن بعض القرارات الهامة. ومن المقرر أن يؤدي تثبيت أسعار الطاقة” إلى خفض التضخم على المدى القريب”.
وقال إن “الحكومة أعلنت خطة النمو الخاصة بها الجمعة الماضية، والتي أوضح وزيرة المالية في إطارها المزيد من التفاصيل في بيانه الصادر اليوم. وأرحب بتعهد الحكومة بتحقيق نمو مستدام، كما أرحب بالدور الذي يعلبه مكتب مسؤولية الموازنة في تقييم مستقبليات الاقتصاد والأوضاع المالية”.
وأضاف أن “دور لجنة السياسة النقدية هو أن تضمن ألا يتجاوز معدل الطلب مستويات العرض في الأسواق بطريقة تؤدي إلى المزيد من التضخم على المدى المتوسط. وأوضحت اللجنة أنها سوف تجري تقييما كاملا لكيفية تأثر الطلب والتضخم بما أعلنته الحكومة من قرارات علاوة على تقييم لهبوط الإسترليني، وسوف تتخذ الإجراءات المناسبة وفقا لنتيجة ذلك التقييم”.
وتابع: “لن تتردد لجنة السياسة النقدية في تغيير معدل الفائدة، وفقا لما تتطلبه ضرورة خفض التضخم إلى 2.00% الذي يمثل هدف البنك المركزي بصفة مستدامة على المدى المتوسط تمشيا مع ما تخطط له”.
ومن المرجح أن إشارة البيان الصادر عن البنك المركزي إلى أن لجنة السياسة النقدية سوف تنظر في أمر الآثار المحتملة للخطة المالية للحكومة في اجتماعها المقبل ينطوي على ترجيج كفة انتظار السلطات النقدية لن تتدخل على الفور للحيلولة دون المزيد من انهيار الإسترليني.
كما يرجح البيان أن البنك المركزي لم يصدر عنه أي شيء من شأنه أن يضعف توقعات رفع الفائدة بـ 125 نقطة أساس في الاجتماع المقبل، وفقا لتوقعات الفائدة التي ترجح كفة رفعها بهذا القدر بنسبة 85%.
وسادت حالة من القلق المستثمرين في أسواق المال في اليوم الذي تعرض فيه الجنيه الإسترليني للانهيار في اليوم الأول من تعاملات الأسواق في أسبوع التداول الجديد، وهو ما جاء بسبب الخطة المالية التي أعلن ملامحها وزير المالية البريطاني كواسي كوارتنغ، واتي تضمنت الإعلان عن أكبر خفض ضريبي منذ عام 1972.
مخاطر تحدق بالاقتصاد
هبط الإسترليني من أدنى مستوى له في 37 سنة إلى أدنى المستوياتله في تاريخه مقابل الدولار الأمريكي بعد إعلان ملامح الخطة المالية للحكومة الجديدة. كما انهارت قيمة سندات الخزانة البريطانية لأجل سنتين، مما أدى إلى اارتفاع العائدات على تلك السندات إلى أعلى مستوى لها منذ أزمة الاقتصاد العالمي في أواخر 2008 نظرا لوجود علاقة عكسية بين قيمة هذه السندات وعائداتها.ومما لا شك فيه أن خطط كوارتنغ لا تتمتع بمصداقية لدى المستثمرين في أسواق المال. فبدلا من التوقعات التي تشير إلى أن الفائدة المرتفعة سوف تزيد من جاذبية الإسترليني والأصول المالية البريطانية للاستثمار، هناك حقيقة على الأرض تشير إلى العكس تماما هو ما يحدث في مثل هذه الحالة.
فالخطط التي أعلنها وزير المالية البريطاني أضعفت الثقة في النظرة المستقبلية للأوضاع المالية والاقتصادية في المملكة المتحدة، إذ اعتمد فيها على تمويل خفض ضريبي تاريخي ودعم طاقة على نطاق واسع باستخدام الدين البريطاني. ومن المتوقع أن ترتفع درجة جاذبية سندات الخزانة الأمريكية للمستثمرين كلما رفع بنك إنجلترا الفائدة بهدف مكافحة لارتفاع الحاد في معدلات التضخم – وسط توقعات تشير إلى إمكانية وصول الفائدة إلى 6.00 في المئة العام المقبل – وهو ما يزيد من الأعباء المالية الواقعة على كاهل المملكة المتحدة وقد يؤدي إلى خفض تصنيفها الائتماني وسط استمرار ارتفاع تكلفة الأفراد وما يقود إليه ذلك من أضرار بالاقتصاد البريطاني.
ويواجه الاقتصاد البريطاني تهديدين أساسيين في الوقت الراهن وفي ضوء الخطة المالية المعلنة الجمعة الماضي؛ الأول هو اتساع عجز الحساب الجاري الذي وصل إلى مستويات قياسية الذي يعني أن الحكومة البريطانية تعتمد في الحصول على الاحتياجات التمويلية على المستثمرين الذين يشترون سندات الخزانة. ويشير التهديد الثاني إلى ارتفاع عائدات سندات الخزانة البريطانية الذي يؤدي إلى زيادة تكلفة الاقتراض على حكومة المملكة المتحدة.
ولا يقتصر الأمر على مخاطر ارتفاع الدين فقط، إذ يمثل هبوط الإسترليني مصدرا إضافيا للخطر. فهبوط العملة يؤدي إلى ارتفاع أسعار الواردات – من بينها أسعار واردات منتجات الطاقة – الذي من شأنه أن يعزز الارتفاعات الحالية في معدل التضخم.
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية وما أعلن من قرارات حكومية، يبدو أنه على حكومة تراس أن تهدئ من روع الأسواق بالتراجع عن بعض إجراءات الخفض الضريبي، والتوقف عن التعهد بالمزيد منه، وتوفير مبررات منطقية للإجراءات المالية والاقتصادية، وهو ما ينبغي أن يحدث حتى قبل أن تقدم الحكومة خطة مالية ويقدم مكتب مسؤولية الموازنة تقديرات اقتصادية كاملة، وهو ما يتوقع أن يكون في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.