يتوقع على نطاق واسع أن يفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الفائدة في اجتماع الأربعاء المقبل وسط تكهنات ظهرت في الفترة الأخيرة بأن يكون رفعه هذه المرة هو الأخير في الدورة الحالية للتشديد الكمي.
وتسببت تلك التوقعات، المعقدة إلى حدٍ ما، في تحركات غير معتادة للأصول المتداولة في أسواق المال العالمية وكسر الكثير من علاقات الارتباط المتعارف عليها بين هذه الأصول مثل العلاقة بين الدولار الأمريكي والعقود الآجلة للذهب.
وهناك عدة عوامل تدعم توقعات رفع الفائدة الفيدرالية في اجتماع الأربعاء المقبل، والتي نتناولها في هذا التقرير بالتفصيل في محاولة لإلقاء الضوء على السيناريو الأقرب إلى الواقع على صعيد السياسة النقدية الأمريكية.
التضخم الأمريكي
كان تباطؤ التضخم الأمريكي في يونيو الماضي من العوامل التي أضعفت توقعات رفع الفائدة في اجتماع الشهر الجاري، لكن بعد استيعاب المستثمرين في الأسواق أنه رغم هذا التباطؤ، لا تزال أسعار المنتجين والمستهلكين الأمريكيين على حدٍ سواء فوق مستوى هدف البنك المركزي إلى حدٍ كبيرٍ.
وقال مكتب إحصاء العمالة في الولايات المتحدة إن التضخم في أسعار المستهلك الأمريكي ارتفع بـ 3.00% على أساس سنوي في يونيو الماضي مقابل الارتفاع الذي تحقق الشهر السابق بـ4.00% في نفس الشهر من العام الماضي، وهو ما جاء أدنى من توقعات السوق التي أشارت إلى 3.1٪.
فيما انخفض معدل تضخم أسعار المستهلكين باستثناء أسعار الغذاء والطاقة بـ 4.8٪ في يونيو الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت ارتفاعا بـ5.3٪ في نفس الشهر من العام الماضي.
وأشارت القراءات الشهرية لهذه المؤشرات إلى ارتفاع كل من مؤشر أسعار المستهلكين والقراءة التي تستثني أسعار الغذاء والطاقة بـ0.2٪.
كما ارتفعت أسعار المنتجين في الولايات المتحدة بنسبة 0.1٪ شهريًا في يونيو 2023، بعد انخفاض معدله 0.4٪ في مايو الماضي، ودون توقعات السوق بارتفاع بنسبة 0.2٪.
وعلى أساس سنوي، ارتفعت أسعار المنتجين الأمريكيين بنسبة 0.1٪ ، وهي أقل زيادة منذ انخفاض هذه الفئة من الأسعار في عام 2020.
العودة إلى التشديد الكمي
رفع بنك كندا الفائدة بـ 25 نقطة أساس إلى 5.00% في اجتماع يوليو الجاري، وهو رفع الفائدة للاجتماع الثاني على التوالي منذ استأنف البنك المركزي دورة التشديد الكمي عقب توقفها لأشهر قليلة.
ورفعت السلطات النقدية الكندية الفائدة إلى أعلى المستويات في 22 سنة، تاركة الباب مفتوحا أمام المزيد من التشديد الكمي ورفع المعدلات إلى اقتضت الضرورة ذلك من أجل خفض التضخم إلى هدف البنك المركزي المحدد بـ2.00%.
وذكر بيان الفائدة الكندية أن صناع السياسة النقدية في البنك المركزي باتوا أكثر ثقة في أن نهاية الدورة الحالية للتشديد الكمي تقترب من نهايتها، لكنهم رجحوا كفة الانتظار حت ظهور المزيد من البيانات الاقتصادية قبل اتخاذ أي قرار بتغيير في السياسة النقدية.
ولم يذكر البيان الكثير من التفاصيل عن المسار المستقبلي للفائدة الكندية، تحدث محافظ البنك المركزي تيف ماكليم عن أبرز ملامح هذا المسار.
البيانات الأمريكية
أظهرت البيانات الأمريكية في الفترة الأخيرة تحسنا كبيرا في عدد من القطاعات الاقتصادية في الولايات المتحدة، مما يرجح أن الاقتصاد في الولايات المتحدة لا يزال يتمتع بقدر كبير من القوة التي تساعده على الصمود في وجه الأزمة الحالية وتحمل الآثار السلبية لرفع الفائدة الفيدرالية في الفترة الأخيرة.
وارتفعت ثقة المستهلك الأمريكي إلى 72.6 نقطة مقابل في يوليو الجاري مقابل القراءة السابقة التي سجلت 64.4 نقطة، وفقا للقراءة الأولية القابلة للمراجعة الصادرة عن جامعة ميتشيجان الأمريكية الجمعة.
وجاءت القراءة الأولية لهذا المؤشر أعلى من توقعات الأسواق التي ظهرت في الفترة الأخيرة التي أشارت إلى ارتفاع أقل إلى 65.5 نقطة، وهي قراءة أولية قد تخضع الشهر في الفترة المقبلة لمراجعة قد تؤدي إلى المزيد من الارتفاع أو إلى الهبوط.
كما ارتفعت تقديرات التضخم الصادرة عن جامعة ميتشيجان إلى 3.1% في يوليو الجاري مقابل القراءة السابقة التي سجلت 3.00%، وهو ما جاء متوافقا مع توقعات الأسواق.
وارتفعت تقديرات التضخم لجامعة ميتشيجان رغم دفعات البيانات الأمريكية التي توالى ظهورها على مدار الأيام القليلة الماضية، والتي ألقت الضوء على ارتفاع أدنى من توقعات السوق في تضخم أسعار المستهلكين والمنتجين في الولايات المتحدة.
مراجعة قراءة مؤشر مبيعات التجزئة الأمريكية إلى ارتفاع في مايو الماضي رغم هبوط قراءة يونيو الماضي، وهو ما بدوره قد يدعم تصاعد توقعات رفع الفائدة ويؤدي إلى المزيد منه بداية من اجتماع يوليو الجاري لمجلس محافظي بنك لاحتياطي الفيدرالي.
ويُعد صمود الاقتصاد الأمريكي الذي تعكسه البيانات الصادرة في الفترة الأخيرة، خاصة بيانات التوظيف، من العوامل التي يعتبرها الفيدرالي من المعوقات التي قد تواجهه أثناء المعركة ضد التضخم.
أسعار النفط العالمية
قد تكون أسعار النفط العالمية من العوامل التي تعزز توقعات رفع الفائدة الفيدرالية نظرا لأهمية أسعار الغذاء والطاقة في تحديد مسار تضخم أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة.
وتزداد هذه الأهمية في ضوء الارتفاعات الكبيرة التي تحققها الأسعار في الفترة الأخيرة والزخم الذي تحافظ عليه أثناء التحرك بخطى واثقة في الاتجاه الصاعد لتوافر الكثير من العوامل التي تدعم هذا التحرك.
ويتلقى النفط دعما من السياسة الإنتاجية لمجموعة أوبك+ التي تعتمد على خفض الإنتاج من أجل تعزيز الأسعار، وهي السياسة التي لا يبدو أن المجموعة قد تتخلى عنها في وقت قريب.
كما يدعم الصعود الحالي للنفط تعافي الطلب الصيني الثابت في ارتفاع الواردات الصينية من النفط في الفترة الأخيرة، إذ شهدت تلك الواردات زيادة بحوالي النصف منذ بداية العام الجاري إلى هذا الشهر.
وأعلنت الصين أيضا عن إجراءات، أو بالأحرى تعديلات في السياسة الاقتصادية للبلاد، من شأنها أن تؤدي إلى المزيد من ارتفاع أسعار النفط والأسهم الصينية.
وتتلقى الأسعار العالمية دعما من تراجع كبير في المخزونات الأمريكية من النفط ومشتقاته ومنتجاته في الفترة الأخيرة، مما يلقي الضوء على ارتفاع الطلب على النفط في أكبر اقتصادات العالم ويصب في صالح الأسعار.