بلغ التضخم الأمريكي أعلى المستويات في أربعين سنة إبان تعافي الاقتصاد من الآثار السلبية التي أخلفها انتشار وباء كورونا، وهو ما جاء نتيجة للسياسة التيسيرية المفرطة التي انتهجها الفيدرالي في تلك الفترة، والتي وصلت بمعدل الفائدة إلى مستويات منخفضة قياسية.
وفي إحدى المقابلات الصحفية التي أُجريت مع جيروم باول، رئيس اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، في الفترة الأخيرة، اعترف باول بأن الفيدرالي تأخر في الاستجابة للارتفاعات الحادة في معدلات تضخم الأسعار في الولايات المتحدة في 2021. وقال باول، في هذه المقابلة: “بعد فوات الأوان، كان ينبغي أن يتم البدء في تشديد السياسة النقدية في وقت مبكر مقارنة بالتحرك الذي حدث بالفعل”.
ولم تكن استجابة الفيدرالي لارتفاع التضخم بطيئة للغاية فحسب، لكن ما أدى إلى تفاقم الأزمة هو استمرار البنك المركزي في خفض الفائدة حتى بعد ظهور الآثار السلبية لمعدلات الفائدة المنخفضة على الاقتصاد.
ومنذ بداية التعافي من الآثار السلبية لكوفيد على الاقتصاد في منتصف 2021، اتضح أن ارتفاع التضخم كان نتيجة لاضطرابات سلاسل التوريد، مما أدى إلى نقص مدخلات الإنتاج مثل الخشب ورقائق الكمبيوتر الخاصة بالسيارات. وأدت هذه المشاكل إلى تقييد المعروض من السلع والخدمات وارتفاع أسعار المنازل والسيارات.
ووفقا لباول، مثل هذه الاضطرابات هي التي دفعت بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى الخطأ في تعريف التضخم باعتباره ظاهرة تتعلق بقوى العرض والطلب في المقام الأول. وقال رئيس الفيدرالي: “أعتقد أن هذا التضخم ينم في الغالب عن اضطرابات في سلاسل توريد السلع والخدمات”.
ولو كان الأمر كذلك، لكان التضخم مجرد مشكلة “مؤقتة” أو انتقالية من شأنها أن تختفي بعد تعافي الاقتصاد ومعالجة اختناقات المعروض. واعترف رئيس البنك المركزي: “كنا نعتقد أن التضخم سوف يختفي بسرعة كبيرة دون تدخل من جانبنا”.
وبحلول خريف 2021، كانت الأسعار ترتفع في جميع القطاعات الاقتصادية، ليس فقط في القطاعات التي تعاني من محدودية المعروض. ويبدو أن هذه الزيادات الكبيرة كانت نتيجة للممارسات التي تبنتها السياسة النقدية المفرطة في التيسير، لا عن الاضطرابات في جانب العرض.
وأوضح باول في المقابلة التي أُجريت معه في الفترة الأخيرة: “في الربع الأخير من 2021، بات من الوضح أن التضخم ليش مشكلة مؤقتة وأنه ليس انتقاليا بالشكل الذي ذكرته”.
ورغم أن هذا الاعتراف أمر مشجع، فإن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة كان من الواجب عليها أن تدرك حتى قبل الربع الأخير من ذلك العام أن ارتفاع التضخم كان مدفوعًا بالطلب على نحو متزايد.
صحيح أن باول غير لهجته، قائلا في المؤتمر الصحفي الذي عقدته اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في نوفمبر الماضي إن مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي “يعترفون بالمسؤولية ومستعدون للمسائلة عن التضخم على المدى المتوسط”، وأن “مستوى التضخم لدينا الآن لا يتفق على الإطلاق مع مفهوم استقرار السعر”.
لكن رغم هذه الاعترافات، استمر الفيدرالي في التوسع في المعروض النقدي في ذلك الوقت ولم يبدأ بالفعل في التشديد الكمي لأربعة أشهر إضافية.
وعلى الرغم من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي أبطأ معدل مشترياته من الأصول في السوق المفتوحة في ديسمبر 2021، إلا أنه واصل برنامج التيسير الكمي حتى منتصف مارس من عام 2022. ورفعت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة النطاق المستهدف لسعر الفائدة قليلاً في مارس ولكنها لم تقم بزيادات كبيرة. حتى شهر مايو من نفس العام بعد ستة أشهر من اعترافها بمسؤوليتها عن ارتفاع التضخم.
وانخرط البنك المركزي في التيسير الكمي حتى مايو 2022 نظرا لأن أسعار الفائدة الحقيقية كانت تنخفض فعليًا. لكن المهم في ذلك هو معدل الفائدة الحقيقي، أي المعدلات قصيرة الأجل مطروحا منه معدل التضخم. وبما أن التضخم كان يتزايد بأكثر من المعدل المستهدف لبنك الاحتياطي الفيدرالي من أواخر 2021 حتى منتصف عام 2022، فكان من الطبيعي أن تنخفض المعدلات الحقيقية.