قد تكون مثل الكثيرين الذين تقتصر معرفتهم عن سليكيون فالي، أو بالأحرى “وداي سيليكون فالي”، بأنها منطقة في كاليفورنيا وهي معقل لأهم وأكبر شركات الإنترنت والتكنولوجيا في العالم. وهذا صحيح، ولكن!
خلال الأيام الأخيرة، استفاق الكثيرون -ولاسيما هؤلاء الذين لا يعرفون الكثير عن عالم البنوك والأسواق المالية- على خبر انهيار بنك إذاً فما هو بنك سيليكون فالي هذا؟ وهل هناك بنك بهذا الاسم في الأساس؟ وماذا حدث له؟ وماذا سيحدث لأموال عملائه؟ لينهال وابل من الأسئلة على الجميع.
ببساطة، إن بنك سيليكون فالي، هو بنك أمريكي مقره في سانتا كلارا ويحتل المرتبة الـ16 داخل قطاع البنوك في الولايات المتحدة الأمريكية، بأصول تبلغ حوالي 209 مليارات دولار. ويُعرف هذا البنك بأنه كان “البطل والملاذ الآمن” لمعظم الشركات الناشئة المختصة بمجال التكنولوجيا.
فيما تحول الآن هذا البنك من “بطل” إلى “قصة فشل”، فهو ثاني أكبر بنك أمريكي ينهار في تاريخ الولايات المتحدة وأول حادثة من نوعها بعد كساد عام 2008. فقبل ذلك، كان بنك واشنطن ميوتشوال قد انهار في سبتمبر 2008، وكان لديه أصول بقيمة 307 مليار دولار وودائع بقيمة 188 مليار دولار. أما بالنسبة لبنك سيليكون فالي، فقبل انهياره كان لديه أصول بقيمة 209 مليارات دولار وودائع بقيمة 175 مليار دولار.
الفائدة المرتفعة تدفع سيليكون فالي بنك للانهيار
قبل محاولة فهم الخطأ الذي دفع بنك سيليكون فالي إلى الانهيار، من الضروري أولاً الرجوع إلى آلية عمل البنوك في الأساس. ببساطة، يرتكز عمل أي بنك في أنه يقبل الودائع من عملائه، ثم يستخدم تلك الودائع لتقديم قروض للعملاء الآخرين ويستخدم بقية الأموال للاستثمار في مكان آخر، وذلك على افتراض أن جميع المودعين لن يظهروا عند باب البنك لسحب ودائعهم في نفس الوقت.
وهذا بالضبط ما يفعله بنك سيليكون فالي، مثله مثل غيره من البنوك، إلى جانب استثماره تلك الأموال في أدوات آمنة مثل: السندات. فبعد الكساد الاقتصادي في عام 2008، كانت أسعار الفائدة في الولايات المتحدة منخفضة للغاية، ليكفل هذا الحصول على قروض أرخص، وتزايد الاستثمار باستخدام رأس المال المخاطر ولا سيما من قِبل الشركات الناشئة، وهذا بدوره أفاد البنوك مثل: SVB لأن تلك الشركات الناشئة أودعت لديه الكثير من الأموال.
فيما أنه مع تغير الأوضاع العالمية وخصوصاً بعد جائحة كورونا، بدأ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي العام الماضي في رفع أسعار الفائدة من 0.25 إلى 0.50 في المائة في مارس 2022، ليتم رفع معدل التمويل الفيدرالي الآن إلى نطاق يتراوح من 4.5 إلى 4.75 في المائة، بل وقد يصل معدل الفائدة الفيدرالية النهائي 5.75%.
وأدى ذلك -بدوره- إلى تقليص عوائد السندات، ولكنها لم تكن مشكلة كبيرة بالنسبة لبنك سيليكون فالي الذي ينتظر استحقاق السندات، غير أن أسعار الفائدة المرتفعة أدت إلى تباطؤ تمويل الشركات الناشئة، وبالتالي تراجع معدل الودائع داخل البنك، ليُعلن في 8 مارس أنه باع 21 مليار دولار من الأوراق المالية بخسارة وصلت إلى 1.8 مليار دولار لضمان استقرار معدلات السيولة. وأضاف أنه يخطط لبيع ما قيمته 2.2 مليار دولار من الأسهم.
وكان لذلك الإعلان مردود سلبي، حيث خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني تصنيفها للبنك، بل والأسوأ أنه في نفس اليوم، طلب بيتر ثايل صاحب Founder Fund من الشركات التي تدير محفظته الاستثمارية سحب أموالهم من بنك سيليكون فالي. وتبع ذلك العديد من الشركات الأخرى مثل: Union Square Ventures و Coatue Management.
ومن جهته، عجز البنك عن تلبية هذا الطلب المرتفع من العملاء لسحب أموالهم خلال مدة زمنية قصيرة، إذ أنه في يوم الخميس 9 مارس وحده، حاول العملاء سحب 42 مليار دولار من البنك، وهو ما كان يساوي ربع إجمالي ودائعه، ليعجز البنك عن تجاوز تلك الأزمة وينهار وتتدخل السلطات الأمريكية يوم الجمعة وتغلق البنك، الذي خسر 60% من قيمته السوقية في يوم واحد فقط.
تداعيات انهيار بنك سيليكون فالي
أثار انهيار بنك سيليكون فالي حالة من الذعر داخل الأسواق وبين المستثمرين في جميع أنحاء العالم خشية من أن يكون له “تأثير الدمينو” على جميع القطاعات المصرفية حول العالم.
فيما دعت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين العديد من منظمي القطاع المالي معًا يوم الجمعة الماضي لمناقشة الوضع، وذكّرتهم بأنها “على ثقة كاملة” في قدرتهم على اتخاذ الإجراءات المناسبة وأن القطاع المصرفي لا يزال “مرنًا”.
وبدأت الحكومات والهيئات التنظيمية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في المملكة المتحدة وأستراليا، بالتحقق من أداء بنك سيليكون فالي داخل قطاعي الشركات والقطاع المصرفي.
ولمواجهة الأزمة، كشف الاحتياطي الفيدرالي عن برنامج جديد يسمح للبنوك باقتراض الأموال المدعومة بالأوراق المالية الحكومية لتلبية طلبات عملاء الودائع، وهو مصمم لحيلولة دون إجبار البنوك على بيع السندات الحكومية التي فقدت قيمتها بسبب ارتفاع أسعار الفائدة على سبيل المثال لا الحصر.
وفي واقع الأمر، لا تحاول الحكومة الأمريكية إنقاذ البنك المنهار، لأنه سيظل كذلك حتى ينتهي به الأمر مع الأصول المتبقية الموزعة على الدائنين – ما لم يتمكن أي مشتري من إعادته إلى الحياة.
وفي وقت متأخر من أمس الأحد، قدمت الوكالات الأمريكية ضمانات لتغطية جميع الودائع في البنك، وهذا يعني أن العملاء بنك سيليكون فالي سيكونون قادرين على الوصول إلى جميع أموالهم صباح اليوم الاثنين.