نور تريندز / التقارير الاقتصادية / هل تدفع البنوك المركزية الاقتصاد العالمي نحو الركود؟
الاقتصاد العالمي، كورونا، الركود

هل تدفع البنوك المركزية الاقتصاد العالمي نحو الركود؟

رغم رفع الفيدرالي الفائدة بوتيرة أقل سرعة في اجتماع ديسمبر الجاري، 50 نقطة مقابل 75 نقطة تبناها البنك المركزي في الاجتماعات الأربعة الماضية، لا تزال الأسواق تنظر إلى المسار المستقبلي للسياسة النقدية للفيدرالي يتضمن المزيد من رفع الفائدة.

وأيدت التوقعات الرسمية للجنة السوق الفيدرالية المفتوحة للفائدة ما رجحه رئيس مجلس محافظي البنك المركزي من أن هناك إمكانية كبيرة لأن يستمر رفع الفائدة حتى إخضاع التضخم لسيطرة، إذ أشارت تلك التوقعات إلى رفع الحد الأقصى المتوقع للفائدة إلى 5.00% مقابل التقديرات السابقة التي أشارت إلى 4.6% في نهاية 2023.

وبعد أقل من يوم واحد، قرر البنك المركزي الأوروبي رفع الفائدة بـ 50 نقطة أساس مع ترجيح رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد كفة المزيد من رفع الفائدة في الفترة المقبلة من أجل مكافحة التضخم.

وأصبح قرارات رفع الفائدة والحديث عن هذا الإجراء من إجراءات السياسة النقدية سببا في تصاعد مخاوف الركود لعدم ملائمة المستويات المرتفعة لتكلفة الاقتراض لبيئة العمل التي يمكن للشركات فيها أن تحقق نموا ماليا يساعدها على اكتساب المزيد من الجاذبية للاستثمار في أسهمها، وهو ما ينعكس سلبا على الاستثمارات المالية واستثمارات الإنتاج الحقيقي، ومن ثم يتجه الاقتصاد إلى التباطؤ ثم إلى الركود إذا استمر رفع الفائدة.  

مكتب الإحصاء الأمريكي / النمو الأمريكي 2022

استهداف النمو

جاءت تصريحات جيروم باول، رئيس الفيدرالي، التي أدلى بها عقب رفع الفائدة بـ 50 نقطة أساس محملة بالتحذير من استمرار ارتفاع التضخم إلى مستويات أعلى بكثير من هدف التضخم للبنك المركزي.

أما التحذير الأخطر، فكان من استمرار تحسن سوق العمل الأمريكي وما يتمتع به من قوة في الفترة المقبلة على تحسن أداء القطاع الخدمي الذي يعكسه ارتفاع حاد في أسعار الخدمات في الولايات المتحدة.  

وقال رئيس الفيدرالي باول، في المؤتمر الصحفي الذي انعقد عقب إعلان رفع الفائدة: “نريد المزيد من الأدلة حتى نثق في أن التضخم يتخذ المسار الهابط بشكل مستدام”.

وأشار إلى أن بعض المشاركين في اجتماع الفيدرالي يرون استمرار مخاطر ارتفاع التضخم في تهديد الاقتصاد.

وأضاف: “استقرار تقديرات التضخم لا يكفي للشعور بالرضا، إذ نشاهد آثار المعدلات المرتفعة للفائدة واضحة على المناطق الأكثر حساسية في الاقتصاد مثل قطاع الإسكان”.

وتابع: “لا يزال أمامنا طريق طويل علينا أن نكمله، وسوف نواصل السعي في هذا المسار حتى ننتهي من مهمتنا”.

وأشار رئيس الفيدرالي إلى أن “السوابق التاريخية تؤكد على ضرورة عدم التراجع قبل الأوان”. 

التضخم الأمريكي / ycharts.com

وقال جيروم باول، رئيس مجلس محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي: “تشير التوقعات إلى أن تضخم أسعار الخدمات لن يتراجع بسرعة، لذا علينا أن نستمر في رفع الفائدة”، متوقعا أن تستغرق أسعار الخدمات باستثناء خدمات قطاع الإسكان وقتا طويلا حتى تبدأ في الانخفاض”.

وشدد رئيس لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة على ضرورة أن يتراجع تضخم أسعار القطاع الخدمي غير الإسكاني “لتسجل مستويات متوازنة”.

وأشار إلى أنه حتى إذا ارتفع معدل البطالة إلى 4.7%، سوف يظل سوق العمل محتفظا بقوته الحالية لو تحقق هذا الارتفاع.

ورغم تأكيد باول على أن النهج المفضل لدى البنك المركزي في المرحلة المقبلة سوف يكون الإبطاء من رفع الفائدة، جاءت تصريحات أخرى على لسانه لتركز على إمكانية استمرار رفع الفائدة لوقت أطول وإلى مستويات أعلى مما تتوقعه الأسواق.

في نفس السياق، عززت تصريحات رئيسة مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد الاتجاه العام للسياسة النقدية لدى البنوك المركزية الرئيسية نحو الإبطاء من تقدم النمو الاقتصادي أثناء الحرب على التضخم، وذلك في تصريحات أدلت بها عقب إعلان رفع الفائدة الأوروبية الخميس.

وتوقعت كريستين لاجارد، بعد إعلان رفع الفائدة الأوروبي بـ 50 نقطة، أن “يتعرض الاقتصاد لضغوط في الاتجاه الهابط العام المقبل” في منطقة اليورو.

وقالت رئيسة المركزي الأوروبي: “عند الوضع في الحسبان الأوضاع التمويلية والحد الأقصى المحتمل لمعدل الفائدة، أرى أن علينا الاستمرار في مكافحة التضخم”.

وأضافت: “المعلومات المتوافرة حتى الآن ترجح إمكانية رفع الفائدة 50 نقطة أساس في الاجتماع المقبل أيضا”.

وتمثلت سلبية تلك التصريحات في الحديث عن مسار مستقبلي سلبي متوقع لاقتصاد المنطقة قد يهوي بها إلى حالة من الركود رجح بعض صناع السياسة النقدية الأوروبية أن يكون ركودا “أقل حدة مما كانت تشير إليه التوقعات في وقت سابق”.

النمو في دول مجموعة السبع / مكتب الإحصاء لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECDStats

الركود قادم

ظهرت في الفترة الأخيرة الكثير من الأصوات التي تعالت بالتحذير من الركود نتيجة للسياسات النقدية الحالية التي تتبنى التشديد الكمي المفرط بهدف التصدي للارتفاعات الحادة في معدل التضخم.

لكن للركود، حال تحوله إلى واقع يعيشه الاقتصاد العالمي، ليس وليد اللحظة، إذ بدأ بدخول العالم في كارثة وباء كورونا الذي تسبب في إغلاق أغلب القطاعات الاقتصادية الهامة حول العالم وأصاب النشاط الاقتصادي بالشلل.

ولم يكد العالم يتخلص من الوباء وتبعاته، حتى بدأت روسيا غزوها لأوكرانيا في فبراير الماضي، وهو ما أضاف إلى اضطرابات سلاسل التوريد الناتجة عن قيود فيروس كورونا المزيد من اضطرابات سلاسل توريد الغذاء والطاقة حيث تعتبر منطقة شرق أوروبا التي يدور بها الصراع بين موسكو وكييف مركزا لإنتاج الغذاء ومنتجات الطاقة، وهو ما أدى بدوره إلى ارتفاعات حادة في أسعار تلك المنتجات وأضاف المزيد من الضغوط التضخمية التي يعاني منها العالم.

التضخم في منطقة اليورو 2022 / ycharts.com

وبالنظر إلى السبب الحقيقي وراء اقتراب العالم من الركود في المرحلة المقبلة، نرجح أن السبب ليس تلك الأزمات، لكنها السياسة النقدية التي تبنتها البنوك المركزية الرئيسية حول العالم التي اعتمدت على إغراق الأسواق بوابل من السيولة، ما أدى إلى انفجار في التضخم، ومن ثم مواجهة الاقتصادات الرئيسية خطر الركود. وهذا النوع من الركود يمكن التغلب عليه من خلال الاتجاه إلى تطبيع الأوضاع النقدية والمالية والبدء في الإبطاء من وتيرة رفع الفائدة وتخفيف إجراءات التشديد الكمي.  

وقد يبدأ الركود الفعلي عندما تسبب الكوارث والأزمات الاقتصادية في صدمة تفقد المستهلك ومؤسسات الأعمال والشركات الثقة في الاقتصاد كلية، مما يدفعهم الإحجام عن الإنفاق، وتأجيل أو إلغاء الخطط الاستثمارية. لكن الركود الناتج. لكن هذا النوع من الركود قد تتمكن الاقتصادات حول العالم من التعافي منه والعودة إلى النمو مرة أخرى من خلال تفعيل سياسات وإجراءات من شأنها أن تحل الأزمات.

وأحيانا ما يكون السبب في الركود ناتجا عن تدهور الأوضاع المالية، والذي غالبا ما يحدث بعد ارتفاعات حادة في قيمة الأصول المالية المتداولة في الأسواق، من ثم تبدأ تلك الأصول في الهبوط بسرعة كبيرة فيما يشبه انفجار فقاعة كبيرة يسبب انهيار للقيمة.

ويُعد هذا النوع من الركود هو الأخطر على الإطلاق، إذ يخلف أثارا مدمرة على الاقتصادات ويترك بصمة سلبية على تلك الاقتصادات، مما يؤدي إلى إصابتها بعيوب هيكلية يحتاج علاجها إلى وقت طويل وجهود قد تتضمن بناء الاقتصاد من جديد، وهو أشبه بأزمة الاقتصاد العالمي التي ضربت الأسواق في أواخر 2008.  

تحقق أيضا

النفط

عوامل قد تؤدي إلى المزيد من هبوط أسعار النفط

ظهرت بعض العوامل في أسواق النفط العالمية من شأنها أن تؤجج هبوط الأسعار في الفترة …