في خضم أسابيع من الهجمات على السفن في البحر الأحمر من قبل الحوثيين المدعومين من إيران تعطل الشحن في قناة السويس، أسرع طريق بحري بين آسيا وأوروبا يحمل 12٪ من حركة حاويات البضائع العالمية.
بالنسبة للاقتصاد الأوروبي، الذي يتجاوز بالفعل ركودًا خفيفًا بينما يحاول التخلص من التضخم المرتفع، سيشكل هذا الاضطراب المستمر خطرًا جديدًا على آفاقه ويمكن أن يعرقل خطط البنوك المركزية لبدء خفض أسعار الفائدة هذا العام. إليكم بعض العوامل التي يضعها صانعو السياسة في الاعتبار أثناء تقييمهم للوضع وتداعياته.
أولاً: مدى تأثر الاقتصاد الأوروبي حتى الآن
في إطار مصطلحات الاقتصاد الكلي، كان التأثير طفيف أو يكاد ألا يذكر. بينما أكدت وزارة الاقتصاد الألمانية أنها تراقب الوضع عن كثب مشيرة هذا الأسبوع إن التأثير الملحوظ الوحيد على الإنتاج حتى الآن كان بضع حالات من تأخير تسليم البضائع.
وكان قد اتفق محافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي مع ذلك، حيث أخبر جلسة استماع برلمانية أنه “لم يحدث بالفعل التأثير الذي كنت أخشى حدوثه”، مع الاعتراف بأن عدم اليقين لا يزال حقيقيًا.
فيما لم يظهر أي تأثير من الهجمات حتى الآن في المؤشرات الاقتصادية الرئيسية في أوروبا – بما في ذلك أرقام التضخم في ديسمبر، والتي ارتفعت بشكل طفيف عبر المنطقة بسبب مزيج من التأثيرات الإحصائية المتوقعة إلى حد كبير، وبعض الحالات الفردية وبعض الضغوط على أسعار الخدمات.
فيما قد يتغير ذلك، وبالتالي يجب مراقبة قراءات مؤشر مديري المشتريات الأولية يوم الأربعاء القادم للنشاط في الاقتصادات الأوروبية في يناير، وتقدير 1 فبراير لأول توقع لتضخم منطقة اليورو لنفس الشهر. قد تتطرق رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد إلى هذا الموضوع في مؤتمرها الصحفي بعد اجتماع تحديد سعر الفائدة يوم الخميس التالي.
ثانياً: أسباب عدم تأثر الاقتصاد إلى الآن
ربما يكون السبب الرئيسي هو أن الاقتصاد العالمي ككل لا يزال يعمل بأداء أقل من المستوى المطلوب، مما يعني وجود الكثير من التراخي في النظام. على سبيل المثال، أسعار النفط، القناة الأكثر وضوحًا التي يمكن من خلالها أن تؤثر مشاكل الشرق الأوسط على الاقتصادات في أوروبا وخارجها.
لم ترتفع أسعار النفط بعد لأن الإمدادات قوية ونمو الطلب يتباطأ، كما قال المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول لرويترز هذا الأسبوع. وقال “لا أتوقع حدوث تغيير كبير في سعر النفط لأن لدينا كمية وفيرة من النفط قادمة إلى السوق”.
وعلى صعيد آخر، قالت شركة DHL الألمانية العملاقة للخدمات اللوجستية إنها لا تزال تمتلك طاقة شحن جوي متاحة – وهو خيار غير متاح للجميع – لأن الاقتصاد العالمي “لم يشهد انطلاقة حقيقية بعد”.
تجعل هذه الصورة الاقتصادية الخافتة من الصعب أيضًا على الشركات نقل أي زيادات في التكاليف التي تواجهها إلى المستهلكين، على سبيل المثال عن طريق الالتفاف حول إفريقيا. أعاد العديد منهم بناء هوامش الربح في العام الماضي ويتقبلون ببساطة أن عليهم تحمل ذلك.
ثالثاً: احتمالية تجاهل صناع السياسة في أوروبا للأمر
من الصعب أن يتجاهل صناع السياسة النقدية في أوروبا هذه الاضطرابات، لأنه كلما استمرت لفترة أطول، زادت احتمالية تأثيرها على الصورة الاقتصادية الأوسع، حتى وإن كان ذلك تدريجيًا.
واستناداً إلى تقدير صادر عن صندوق النقد الدولي لتأثير ارتفاع تكاليف الشحن، قدرت شركة Oxford Economics في مذكرة بتاريخ 4 يناير أن ارتفاع أسعار نقل الحاويات سيضيف 0.6 نقطة مئوية إلى التضخم في غضون عام. ويتوقع البنك المركزي الأوروبي أن ينخفض تضخم منطقة اليورو من 5.4٪ في عام 2023 إلى 2.7٪ هذا العام.
واستنتجت Oxford Economics “بينما يشير هذا إلى أن الإغلاق المستمر للبحر الأحمر لن يمنع التضخم من الانخفاض، إلا أنه سيؤخر من سرعة عودته إلى وضعه الطبيعي”. ومع ذلك، لم تر الشركة أن هذا سيمنع التحول المتوقع إلى أسعار فائدة أقل.
وعلى صعيد آخر، تمثل هجمات الحوثيين والاضطرابات الأوسع في الشرق الأوسط واحدة من “المخاطر الجيوسياسية” التي تتم الإشارة إليها في محاضر نقاشات صانعي السياسة النقدية في البنوك المركزية. يكمن الخوف في التصعيد – وهذا الخوف نفسه قد يؤثر على القرارات التي ستظهر.
وأخيرًا، وقد نكون لا نزال بعيدين عن هذا الأمر، ولكن هناك احتمال أن يشجع الوضع الشركات على المضي قدمًا في الخطط التي وضعت بعد أن عطلت جائحة كوفيد -19 التجارة بحثًا عن طرق إمداد بديلة أكثر قابلية للتنبؤ.
قد يشمل ذلك مسارات تجارية أطول ولكن أكثر أمانًا أو “إعادة الاستعراض” لإيصال الإنتاج إلى أسواق رئيسية. ولكن بغض النظر عن الخيارات التي يتم استكشافها، فمن المحتمل أن يكون لها جميعًا شيء واحد مشترك – تكاليف أعلى.