ختم الدولار الأمريكي تعاملات الأسبوع المنتهي في 24 يونيو الجاري في الاتجاه الهابط متأثرا بظهور تكهنات بتحول في المسار الحالي للسياسة النقدية للفيدرالي التي تتجه بقوة وسرعة إلى المزيد من رفع الفائدة لمكافحة التضخم.
وكان المحرك الأساسي الأقوى للأسواق على مدار الأسبوع الماضي هو شهادة جيروم باول، رئيس مجلس محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي، أمام لجنة القطاع المصرفي في مجلس الشيوخ الأمريكي.
وتضمنت التصريحات التي جاءت على لسان باول في تلك الشهادة ما يشير إلى أن الفيدرالي قد يبطئ من وتيرة رفع الفائدة في الفترة المقبلة.
كما أشارت إلى أن قيادة لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة تقلل من شأن مخاوف الركود التي ظهرت في الفترة الأخيرة، والتي رجحت أن الإجراءات التي تتخذها السلطات النقدية من شأنها أن توفر بيئة مرتفعة تكلفة الاقتراض، وهو ما يحد من قدرة الشركات صغيرة ومتوسطة الحجم على النمو.
شهادة باول
قال جيروم باول، رئيس مجلس محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي، أثناء شهادته أمام لجنة القطاع المصرفي في مجلس الشيوخ الأمريكي الأربعاء: “مخاطر الركود لا تتصاعد في الوقت الراهن”.
وأضاف: “لا نعتقد أننا نثير حالة من الركود، لكن من الضروري أن نحقق استقرار الأسعار”، مؤكدا أن سرعة رفع الفائدة في الاجتماعات المقبلة سوف يتوقف على البيانات الاقتصادية التي تظهر في تلك الفترة.
ورجح باول أن البيانات التي ظهرت في الفترة الأخيرة تشير إلى الناتج المحلي الإجمالي بدأ يتعافى وأن إنفاق المستهلك لا يزال قويا.
وتابع: “لم نشاهد بعد الآثار المترتبة على الإغلاق الذي حدث في الصين على صعيد سلاسل التوريد في الفترة الأخيرة، لكن هناك إشارات إلى أن النمو الصيني بدأ يتعافى في الوقت الراهن”.
وتوقع رئيس لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة أن “يعود التضخم إلى هدف البنك المركزي المحدد بـ 2.00% خلال العامين المقبلين”، وذلك في الجزء الثاني من شهادة رئيس البنك المركزي أمام مجلس الشيوخ الخميس الماضي.
وقال جيروم باول: “يعتزم القيام بهبوط آمن، لكن المسار الحالي أضحى ينطوي على الكثير من التحديات حتى يتحقق ما نستهدفه”.
وحذر باول من إمكانية مواجهة الأسواق مشكلات على المدى الطويل في المعروض في قطاع الإسكان الأمريكي، مما قد يؤدي إلى تفاقم زيادة الأسعار، ويسهم في المزيد ارتفاع التضخم.
وأضاف رئيس الفيدرالي أن “سوق الإسكان يظهر بعض التباطؤ بسبب ارتفاع معدل الفائدة على الرهون العقارية”.
وقالت جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، الثلاثاء إن “أغلب خبراء الاقتصاد لا يعتقدون أن الولايات المتحدة سوف تدخل حالة من الركود”.
وأضافت: “أعتقد أن هناك مسار يمكن أن نسلكه من أجل خفض التضخم مع الاحتفاظ بالقوة التي يتمتع بها سوق العمل في الوقت الراهن”.
وأرجعت يلين استبعاد أغلب الاقتصاديين تعرض الاقتصاد الأمريكي للركود في الفترة المقبلة إلى أنهم يأخذون في الاعتبار خصائص فريدة لاقتصاد مرحلة ما بعد الوباء.
ورجحت أن تراجع المشاركة في القوى العاملة في الولايات المتحدة قد يسفر عن تراجع بعض الضغوط التضخمية في البلاد. جهود السيطرة على الارتفاع الحاد في معدل التضخم قد تسفر عن تدهور في أوضاع سوق العمل.
يُذكر أن هناك وجهة نظر بين بعض الاقتصاديين والمعنيين بالاقتصاد والسياسة النقدية في الولايات المتحدة تشير إلى أن جهود خفض التضخم قد تضر بأوضاع سوق العمل الأمريكي.
وقال لاري سامرز، وزير الخزانة الأمريكية السابق، إن هناك الارتفاع في معدل البطالة قد يسهم إلى حدٍ بعيد في التقليل من معدل التضخم في الولايات المتحدة.
البيانات الأمريكية
تراجعت قراءة مؤشر ثقة المستهلك الأمريكي الصادرة عن جامعة ميتشيجان الجمعة الماضية إلى مستويات قياسية، وفقا للبيانات الصادرة اليوم.
سجلت القراءة هبوطا إلى مستوى 50 نقطة في يونيو الجاري، هي القراءة النهائية التي جاءت مقابل القراءة الأولية التي سجلت 50.2 نقطة.
وألقت تلك القراءة الضوء على أدنى المستويات على الإطلاق منذ بداية التسجيل بهذا المؤشر الذي يتمتع بمصداقية لدى المستثمرين في الأسواق.
وكشفت تفاصيل المؤشر أن مكون الأوضاع الاقتصادية الراهنة هبط إلى 53.8 نقطة في يونيو مقابل قراءة نفس المكون في مايو الماضي عند 63.3 نقطة.
كما تراجع مكون الأوضاع الاقتصادية المستقبلية إلى 4705 نقطة، وفقا للقراءة الفعلية ليونيو الجاري مقابل القراءة السابقة التي سجلت 55.2 نقطة.
وسجلت قراءة مطالبات إعانات البطالة الأسبوعية في الولايات المتحدة 229 ألف مطالبة في الأسبوع المنتهي في 17 يونيو الجاري مقابل القراءة السابقة التي سجلت 231 ألف مطالبة، وهو ما جاء أسوأ من توقعات الأسواق التي أشارت إلى 227 ألف مطالبة، وفقا للبيانات الصادرة الخميس.
وعزز التراجع في البيانات الأمريكية مخاوف الركود التي ظهرت في الفترة الأخيرة والتي رجحت أن رفع الفائدة قد يوجه ضربات موجعة إلى النمو العالمي.
الدولار وأسهم وول ستريت
كان رد الفعل تجاه التحول المحتمل في السياسة النقدية للفيدرالي، الذي توقعات الأسواق أن تصريحات باول ترمي إليه أثناء شهادته أمام الكونجرس الأسبوع الماضي، وتراجع حدة مخاوف الركود بسبب تصريحات باول ويلين ومسؤولين آخرين في الفيدرالي وخارجه من الأسباب التي أدت إلى التهدئة من روع الأسواق، مما أدى إلى ارتفاع في شهية المخاطرة في أسواق المال العالمية وهبوط الدولار الأمريكي.
وهبط مؤشر الدولار، الذي يعطي صورة واضحة عن أداء العملة الأمريكية مقابل سلة العملات الرئيسية، إلى 104.13 نقطة مقابل الإغلاق المسجل نهاية الأسبوع السابق عند 104.28 نقطة.
وبلغ المؤشر أعلى مستوى على مدار الأسبوع الماضي عند 104.81 نقطة مقابل أدنى المستويات في نفس الفترة الذي سجل 103.98 نقطة.
واتخذ الذهب نفس الاتجاه الهابط للدولار الأمريكي بسبب تحسن شهية المخاطر نتيجة للتحول المحتمل في السياسة النقدية للفيدرالي وتراجع مخاوف الركود إلى حدٍ ما.
وهبطت العقود الآجلة للذهب إلى 1826 دولار للأونصة في ختام تعاملات الأسبوع المنتهي في 24 يونيو الجاري مقابل الإغلاق الأسبوعي الماضي الذي سجل 1839 دولار للأونصة.
في المقابل، حققت مؤشرات بورصة نيويورك ارتفاعات أسبوعية في الفترة من 20 إلى 24 يونيو مستفيدة من شهادة باول والتحول المحتمل في وتيرة رفع الفائدة وتراجع مخاوف الركود.
حقق داو جونز الصناعي ارتفاعا بحوالي 5.5% في حين أضاف ستاندردز آند بورس500 مكاسب بواقع 6.5% مع ارتفاع ناسداك للصناعات التكنولوجية الثقيلة، محققا أعلى مكاسب بين مؤشرات بورصة نيويورك بواقع 7.5%.
العملات الأوروبية
حقق اليورو والإسترليني مكاسب أسبوعية على حساب الدولار الأمريكي الي تراجع على أساس أسبوعي بسبب التحسن في شهية المخاطرة في أسواق المال العالمية.
وارتفع اليورو/ دولار إلى 1.0557 مقابل الإغلاق الأسبوعي السابق الذي سجل 1.0493. وهبط الزوج إلى أدنى مستوى له في تلك الفترة عند 1.468 مقابل أعلى المستويات الذي سجل 1.0605.
وجاء ارتفاع العملة الأوروبية الوحدة بسبب الهبوط الأسبوعي للدولار الأمريكي وسط عوامل سلبية كان من شأنها أن تجذب اليورو إل الاتجاه الهابط.
وجاءت بيانات منطقة اليورو سلبية الأسبوع الماضي، وهو ما اتضح جليا في تراجع قراءات IFO الألماني التي ألقت الضوء على ضعف ثقة الأعمال وتراجع في تقديرات الاقتصاد الأكبر في منطقة اليورو في ألمانيا.
كما حقق الإسترليني ارتفاعا أسبوعيا في نهاية الفترة من 20 إلى 24 يونيو الجاري رغم ارتفاع معدل التضخم إلى مستويات أعلى بقليل من توقعات الأسواق، إذ سجل التضخم السنوي في أسعار المستهلك البريطاني ارتفاعا إلى 9.1% في مايو الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 9.00%.
كما تراجعت مبيعات التجزئة البريطانية إلى 4.7-% مقابل التوقعات التي أشارت إلى 4.5%، مما يلقي الضوء على الأثر القوي لارتفاع الأسعار في توجهات المستهلكين.
ورغم استمرار ارتفاع التضخم، يبدو أن أعضاء لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا لديهم مخاوف من الإسراع من وتيرة رفع الفائدة بنفس القدر الذي يسير به الفيدرالي، وهو ما يمكن أن ينعكس سلبا على حركة سعر العملة البريطانية.
الأسبوع المقبل
تسلط الأسواق الضوء الأسبوع المقبل على البيانات الاقتصادية التي تعتبر الأحداث الأهم والأكثر تأثيرا في حركة السعر على مدار الفترة من 27 يونيو الجاري إلى الأول من يوليو المقبل.
وتتضمن البيانات الأمريكية التي تصدر الأسبوع المقبل مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، الذي يعتبره الفيدرالي المؤشر الأكثر مصداقية في التعبير عن واقع تضخم أسعار المستهلك في الولايات المتحدة، والذي رغم تراجعه المحدود في القراءة الماضية، لم يعتبر رئيس الفيدرالي جيروم باول ذلك إشارة إيجابية من أي نوع نظرا لضآلة النسبة التي هبط بها المؤشر.
وتشير توقعات الأسواق إلى إمكانية ارتفاع التضخم السنوي في أسعار المستهلك الأمريكي إلى إمكانية ارتفاع المؤشر بواقع 6.7% مقابل القراءة المسجلة في إبريل الماضي التي أشارت إلى ارتفاع بواقع 6.3%.
كما تظهر قراءات سلسلة مؤشرات مديري المشتريات الأمريكية التي تصدر عن معهد دراسات الإمدادات الأمريكية (ISM) الأسبوع المقبل.
وعلى صعيد منطقة اليورو، تظهر مؤشرات البطالة وتضخم أسعار المستهلك وسط توقعات باستمرار تراجع معدل البطالة الأوروبية إلى 6.8%، وهو ما يأتي أقل بكثير من مستويات البطالة في المنطقة في فترة ما قبل الوباء التي سجلت 7.2#.
ويتوقع أيضا أن ترتفع قراءة التضخم السنوي لأسعار المستهلك في المنطقة بواقع 8.3% لتسجل صعودا قياسيا إلى مستوى جديد غير مسبوق.