سيطرت أحداث هامة على حركة السعر في أسواق المال العالمية الأسبوع الماضي ربما تكون الأحداث الأهم على الإطلاق على مدار الشهر؛ هي قرارات الفيدرالي وبيانات التوظيف الأمريكية.
ورفع الفيدرالي الفائدة بـ 75 نقطة الأسبوع الماضي ليصل المعدل الرئيسي إلى 4.00% بعد رفع الفائدة بنفس النسبة للاجتماع الرابع على التوالي.
وأشار بيان الفائدة الصادر عن الفيدرالي الأربعاء الماضي إلى أن هناك تحسن كبير في أوضاع سوق العمل، وهو الأمر الذي يثير قلق السلطات النقدية التي تريد كبح جماح نمو الوظائف ونمو الأجور لمواجهة الضغوط التضخمية.
كما أكد الفيدرالي على أنه يتخذ إجراءات من شأنها ضمان تبني مستويات مقيدة للنمو بما فيه الكفاية حتى تتم السيطرة على التضخم الجامح، وهو ما يعكس أن أي تحسن في النشاط الاقتصاد الأمريكي سوف يكون عكس الاتجاه الذي يريده البنك المركزي.
وأكد الفيدرالي أيضا على أن أنه سوف يحافظ على وتيرة ضبط كشوف الموازنة والاستمرار في اتباع الجدول المعلن في مايو الماضي فيما يتعلق بإعادة بيع الأصول التي اشتراها البنك المركزي في الفترة الأخيرة، وهو ما يعكس أنه لن تكون هناك زيادة في الجهود التي تستهدف خفض التضخم على صعيد إعادة بيع مشتريات الأصول وأن البيع سوف يستمر بالأحجام والسرعة التي كان عليها قبل اجتماع أكتوبر.
ومن جهته، جاءت تصريحات جيروم باول، رئيس الفيدرالي، محملة بعبارات مشابهة، مما ألقى الضوء على ميل داخل الفيدرالي في التقليل من سرعة رفع الفائدة، وهو ما انعكس سلبا على الدولار الأمريكي وأصوله.
وقال باول، في المؤتمر الصحفي الذي انعقد عقب إعلان رفع الفائدة الأربعاء الماضي: “قد يكون الوقت المناسب للإبطاء من وتيرة رفع الفائدة في الاجتماع المقبل أو الاجتماع الذي يليه”.
وأضاف: “سعيد لأننا رفعنا الفائدة بسرعة، ولا أعتقد أننا أفرطنا في التشديد الكمي، وقد ناقشنا في هذا الاجتماع توقيت الإبطاء من وتيرة رفع الفائدة”، مؤكدا أن تقديرات المدى الطويل للتضخم تراجعت إلى حدٍ ما.
لكنه أشار إلى أن البنك المركزي لم يتمكن من التعرف على الوقت الذي يتراجع فيه التضخم، مرجحا أن السلطات النقدية ليس لديها “بيانات كافية عن مدى سرعة إلحاق رفع الفائدة أضرارا بالاقتصاد وسط معطيات الاقتصاد الحديث”.
وقال: “إذا أفرطنا في التشديد الكمي، فقد نستخدم أدواتنا لدعم الاقتصاد، لكن لا يزال الوقت مبكرا على الحديث عن التوقف عن رفع الفائدة. فلا يزال أمامنا طريق طويل”.
بيانات التوظيف
في اليوم الأخير من أسبوع التداول الماضي، ظهرت بيانات التوظيف الأمريكية التي ألقت الضوء على تحسن فاق توقعات الأسواق في نمو الوظائف في حين أشارت إلى تدهور في نمو الأجور ومعدل البطالة في الولايات المتحدة، وهو ما يشير إلى تراجع عام في أوضاع سوق العمل.
وارتفع مؤشر التغير في توظيف القطاعات غير الزراعية الأمريكية إلى 261 ألف وظيفة في أكتوبر مقابل الارتفاع المسجل في الشهر السابق الذي سجل 315 ألف وظيفة. ورغم الارتفاع الذي جاء أقل من القراءة السابقة، ارتفع نمو الوظائف مقارنة بالتوقعات التي أشارت إلى 200 ألف وظيفة فقط.
رغم إيجابية نمو الوظائف، سجلت القراءة السنوية في أكتوبر ارتفاعا أقل من القراءة السابقة لتستقر عند 4.7% مقارنة بقراءة الشهر السابق التي ارتفعت بواقع 5.00%، وهو ما توافق مع توقعات السوق التي كانت تثمن هذه الأرقام.
كما ارتفع معدل البطالة إلى 3.7% مقابل القراءة السابقة التي سجلت 3.5%، وهو ما فاق توقعات السوق التي أشارت إلى 3.6%.
ويُعد تراجع نمو الأجور وارتفاع معدل البطالة متوافقا مع المسار المستقبلي الذي يتوقعه الفيدرالي للاقتصاد، لذا قد يكون تدهور هذين المؤشرين من العوامل التي تدفع الفيدرالي إلى الإبطاء من وتيرة رفع الفائدة في اجتماع ديسمبر المقبل، وهو ما انعكس سلبا على حركة سعر الدولار الأمريكي.
حركة السعر
كانت التطورات الهامة التي ورد ذكرها في أول التقرير وراء خسائر أسبوعية للدولار الأمريكي الذي رجح المستثمرون فيه وفي أصوله أن العائد عليه في طريقه إلى الهبوط، لا الارتفاع كما كانوا يعتقدون وقت إصرار الفيدرالي على الاستمرار في رفع الفائدة بنفس الوتيرة.
وأضاف إلى ضعف الدولار الأمريكي أن بيانات التوظيف الأمريكية جاءت في الاتجاه المفضل لبنك الاحتياطي الفيدرالي، مما أدى إلى تصاعد توقعات بأن يكون لدى البنك المركزي متسع من الوقت، مما يجعله أكثر حكمة في رفع الفائدة.
وتراجع مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل سلة العملات الرئيسية، إلى 110.75 نقطة مقابل الإغلاق الأسبوعي الماضي الذي سجل 111.30 نقطة. وارتفع المؤشر إلى أعلى مستوى له الأسبوع الماضي عند 112.99 نقطة مقابل أدنى المستويات المسجلة الأسبوع المنتهي في الرابع من نوفمبر عند 110.72.
ورغم الإشارة إلى إمكانية الإبطاء من وتيرة رفع الفائدة في ديسمبر المقبل، أكد الفيدرالي أنه مستمر في رفع الفائدة، كما استمر الأثر المتوقع من رفع الفائدة الفيدرالية بـ 75% للاجتماع الرابع على التوالي، وهو ما دفع بالأسهم الأمريكية إلى خسائر أسبوعية نظرا لاستمرار توافر البيئة مرتفعة تكلفة الاقتراض التي تقلل من جاذبية الأسهم في وول ستريت للمستثمرين.
وتراجع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 4.00% نهاية أسبوع التداول الماضي مقارنة بالأرقام المسجلة نهاية الأسبوع السابق. وهبط ستاندردز آند بورس500 بحوالي 3.3% مع تنازل ناسداك للصناعات التكنولوجية الثقيلة بواقع 5.6%.
واستغلالا لضعف الدولار الأمريكي، حقق الذهب مكاسب أسبوعية في ختام تعاملات الفترة من 31 أكتوبر الماضي إلى الرابع من نوفمبر الجاري، إذ أن هناك علاقة عكسية بين العملة الأمريكية والمعدن النفيس.
وهبطت العقود الآجلة للذهب إلى 1680 دولار للأونصة مقابل الإغلاق الأسبوعي الماضي الذي سجل 1644 دولار للأونصة. وهبط الذهب إلى أدنى مستوى له الأسبوع الماضي عند 1616 دولار مقابل أدنى المستويات الذي سجل 1682 دولار.
وارتفعت عائدات سندات الخزانة الأمريكية على أساس أسبوعي بعد أن حققت الاستفادة الأمثل لتصاعد توقعات رفع الفائدة الفيدرالي بعد تأكيد جيروم باول على أن “الوقت لا يزال مبكرا على تحديد وقت للتوقف عن رفع الفائدة” من قبل الفيدرالي، وهي التصريحات التي أدلى بها الأربعاء الماضي ودعمت الاتجاه الصاعد للعائدات على هذا النوع من السندات السيادية الأمريكية.
وارتفعت عائدات سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات إلى 4.170% الجمعة الماضية مقابل الإغلاق الأسبوعي الماضي الذي سجل 4.025%.
وعلى صعيد عملات أوروبا، تراجع اليورو بسبب تصعيد روسي في أوكرانيا وزيادة القصف الروسي للبُنى التحتية الأوكرانية، مما أدى إلى أثر سلبي أُلقي على عاتق العملة الأوروبية الموحدة التي تعرضت لخسائر أسبوعية.
وعلى صعيد الإسترليني، ورغم رفع بنك إنجلترا الفائدة بـ 75 نقطة أساس ليصل المعدل الأساسي إلى 3.00%، وهو ما كان يتوقع أن يصل بالإسترليني إلى مستويات أعلى.
لكن العملة البريطانية فقدت أكثر من 2.00% من قيمتها الأسبوع الماضي بسبب التحذيرات التي جاء بيان الفائدة الصادر عن بمك إنجلترا بشأن النظرة المستقبلية للاقتصاد.
ورغم رفع الفائدة، أكد البيان أن الاقتصاد البريطاني دخل في ركود بالفعل وأن النمو في المملكة المتحدة قد يظل ضعيفا لبعض الوقت.
وهبط الإسترليني/ دولار إلى 1.1372 مقابل الإغلاق الأسبوعي الماضي الذي سجل 1.1637. وارتفع الزوج إلى أعلى المستويات الأسبوع الماضي عند 1.1613 مقابل أدنى المستويات الذي سجل 1.1142.
وكان من أهم الأحداث التي شهدها الأسبوع الماضي أيضا ظهور تقارير عن تسريح الآلاف من موظفي شركة تويتر المشغلة لموقع التواصل الاجتماعي المشهور الذي يحمل نفس الاسم عقب إتمام الملياردير إيلون ماسك صفقة شراء الشركة وتوليه منصب الرئيس التنفيذي لها.
وألقى إيلون ماسك، المالك الجديد لشركة تويتر، باللوم على “جماعات النشطاء التي تضغط على المعلنين” في تعرض الشركة “لهبوط كبير في العائد”، إذ ألغت الشركة الكثير من الوظائف في مساعي لتوفير نفقات التشغيل.
وغرد الرئيس التنفيذي لعملاق السيارات الكهربائية تيسلا عبر حسابه على تويتر، قائلا إن “النشطاء”، الذين يثيرون مخاوف حيال الطريقة التي يتم بها الإشراف على المحتوى الموجود على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، “يحاولون تدمير حرية التعبير في الولايات المتحدة”.
وذكرت رسالة بريد إلكتروني وصلت إلى موظفي تويتر الجمعة أن إلغاء أعداد كبيرة من الوظائف جاء “لسوء الحظ من أجل ضمان نجاح الشركة في الاستمرار”.
وأكد عدد من طاقم العمل في الشركة أنه تم إخراجهم حسابات أجهزة اللابتوب الخاصة بالعمل ومن حساباتهم على تطبيق التواصل الاجتماعي Slack، وهو تطبيق رسائل، الخاص بموظفي تويتر.
الأسبوع المقبل
هناك مجموعة من الأحداث التي ترسم ملامح تعاملات الأسبوع المقبل، منها ما يأتي في المفكرة الاقتصادية وأحداث أخرى خارجها.
وتعلن شركات هامة تقارير أرباحها في الربع الثالث من 2022 الأسبوع المقبل، في مقدمتها والت ديزني، أسترا زينيكا، وبيونتك، وكروز لاين النرويجية.
كما تظهر قراءات التضخم في أسعار المستهلك الأمريكية الأسبوع المقبل وسط توقعات بارتفاع القراءة الشهرية لأسعار المستهلك في أكتوبر بواقع 0.7% في أكتوبر مقابل القراءة الصادرة في سبتمبر الماضي بواقه 0.4%.
لكن التوقعات تشير أيضا إلى إمكانية تراجع التضخم السنوي في الولايات المتحدة في أكتوبر الماضي بواقع 8.00% مقابل القراءة المسجلة في نفس الشهر من العام الماضي التي أشارت إلى ارتفاع بواقع 8.2%.
وتظهر أيضا قراءة ثقة المستهلك التي تصدر عن جامعة ميتشيجان الأمريكية، والتي من شأنها أن تلقي الضوء على مدى ثقة الأمريكيين في اقتصاد بلادهم بأوضاعه الحالية وتوقعاتهم للأداء ا لمستقبلي.
وتصدر أيضا قراءة الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة الجمعة المقبلة لتلقي الضوء على أداء النمو البريطاني في الربع الثالث من 2022.