بعد أن كان من بين أبرز العملات التي استفدت بقوة من الغزو الروسي لأوكرانيا لكونه ملاذ آمنًا رئيسيًا، انخفض مؤشر الدولار، الذي ارتفع بنسبة 3 في المائة منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير و 10 في المائة منذ مايو، بما يصل إلى 0.6 في المائة يوم أمس الأربعاء حيث حلل التجار بيانات بنك الاحتياطي الفيدرالي بعد اجتماع استمر يومين.
وقد كان هذا التراجع بمثابة مفاجأة بالنسبة للمحللين الاقتصاديين، ليعكف الكثيرين على محاولة تفسير هذا التراجع غير المتوقع للدولار الأمريكي رغم قرار الفيدرالي يوم أمس الأربعاء برفع الفائدة للمرة الأولى منذ 2018، وهو ما أضاف 25 نقطة أساس لمعدل الفائدة الفيدرالية التي أصبحت 0.5%.
وأشار مسؤولو الفيدرالي إلى أن الوتيرة التي سوف يتبعها البنك المركزي في رفع الفائدة في الفترة المقبلة سوف تكون أسرع من توقعات الأسواق علاوة على أن الرفع المقبل قد يكون أكبر حجما.
وأكد على زيادة حجم وسرعة رفع الفائدة التصريحات التي أدلى بها رئيس مجلس محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي التي أدلى بها في مؤتمر صحفي انعقد بعد إعلان قرارات السياسة النقدية.
وقال باول إن الاجتماعات المقبلة للبنك المركزي سوف يشهد كل منها رفعا للفائدة حتى نهاية العام الجاري على الأقل.
أما خلال تعاملات اليوم الخميس، فقد شهد مؤشر الدولار تغيرات طفيف ليتداول قرابة مستوى 98.4 بعد انخفاضه بنسبة 0.6 ٪ في الجلسة السابقة. وفيما يلي استعراض لبعض الأسباب المحتملة لهبوط الدولار المفاجىء.
أولًا: الفيدرالي لم يكن متفائلا بالقدر الكافي
نقلت وكالة رويترز عن إريك بريغار الاقتصادي لدى شركة سيلفر جولد بول إنك “لم تكن هناك مفاجآت إضافية للتفاؤل”، مضيفًا أنه يبدو أن التجار كانوا يتوقعون الكثير من الاحتياطي الفيدرالي”. وهذا يفسر سبب تقليص بعض هذه الرهانات المتفائلة قليلاً.”
فيما وصف الاستراتيجيون في Wells Fargo Securities تعليقات بنك الاحتياطي الفيدرالي بأنها “متشددة للغاية”، في مذكرة للعملاء وقالوا إنها يجب أن تكون مفيدة للدولار في المستقبل.
ولكنهم أضافوا أن التراجع في مؤشر الدولار كان مفاجئًا ويمكن أن يعكس خيبة الأمل لأن خطاب الاحتياطي الفيدرالي لم يكن أكثر تشددًا.
فقد رفع الاحتياطي الفيدرالي أيضًا توقعاته للتضخم وأشار إلى ست زيادات أخرى هذا العام، اتخذها المستثمرون كخطوة قوية نحو إبقاء الضغوط التضخمية تحت السيطرة.
في غضون ذلك، خفض البنك المركزي الأمريكي تقديراته للناتج المحلي الإجمالي لعام 2022 إلى زيادة بنسبة 2.8٪ من 4٪ توقعها في ديسمبر، مشيرًا إلى ارتفاع الأسعار والاضطرابات الاقتصادية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا.
ثانيًا: خطة السلام الأوكرانية- الروسية المحتملة
تحسنت شهية المخاطرة داخل الأسواق وسط استمرار المحادثات الدبلوماسية بين وفود روسية وأوكرانية لبحث إمكانية التوصل إلى اتفاق ووقف إطلاق النار.
فقد ذكرت مصادر بأن الكرملين يتقبل فكرة الحل الوسط المتمثل في أن تصبح أوكرانيا دولة محايدة تمتلك جيشها الخاص مثل النمسا.
ثالثًا: تراجع الثقة في الدولار
بعد أن كانت الولايات المتحدة ضلعًا رئيسيًا في العقوبات التي فرضت على روسيا مؤخرا بعد غزوها لأوكرانيا، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن الثقة في الدولار تراجعت في الوقت الراهن بشكل كبير، مشيرًا إلى تداعيات استخدام الولايات المتحدة عملتها كأداة للعقوبات.
في الواقع، يبدو أن “نزع الدولرة” من قبل العديد من البنوك المركزية بات وشيكًا، مدفوعًا بالرغبة في عزل أنفسهم عن المخاطر الجيوسياسية، حيث يمكن استخدام مكانة الدولار الأمريكي كعملة احتياطية كسلاح هجومي.
فإن الحرب في أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية اللاحقة ستدفع البنوك المركزية إلى العودة إلى لوحات الرسم لإعادة تقييم اعتمادها على الدولار.
فثمة الجهود جارية بالفعل لإدخال محتمل لنظام دفع روسي صيني جديد، متجاوزًا نظام SWIFT والجمع بين نظام SPFS الروسي (نظام نقل الرسائل المالية) ونظام CIPS الصيني (نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك).
لذلك، يمكن أن يشهد الدولار الأمريكي، وهو العملة الاحتياطية في العالم، انخفاضًا ثابتًا في السياق الحالي حيث قد تتطلع البنوك المركزية الرائدة إلى تنويع احتياطياتها بالأصول أو العملات الأخرى مثل اليورو أو الرنمينبي أو الذهب، لتبتعد عن الدولار.