أمر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بدخول قوات “حفظ السلام” إلى شرق أوكرانيا، مما زاد من احتمالات اندلاع حرب في أوروبا بشكل أكبر على الرغم من أسابيع من الدبلوماسية المحمومة.
ففي صباح اليوم الثلاثاء، رغم استمرار الحديث عن قمة السلام التي استمرت 11 ساعة بين روسيا والولايات المتحدة، اعترف بوتين رسميًا باستقلال المنطقتين الانفصاليتين المدعومين من روسيا في شرق أوكرانيا اللتين كانتا في قلب المواجهة مع الجنود الأوكرانيين لفترة طويلة، وأرسل قواته الخاصة في “مهام حفظ السلام” إلى الجمهوريات المتمردة في دونيتسك ولوهانسك.
وطالب بوتين مجلس الدوما بالاعتراف بالدولتين فورا وإعلان البلاد دعمهما وسط ردود أفعال تندد بما حدث ودعاوى لعقد جلسة طارئة بمجلس أمن الأمم المتحدة لمناقشة ما وصفه وزير خارجية أوكرانيا ديمترو كوليبا بأنه “إجراءات غير قانونية”.
وقال كوليبا: “أرسلنا الطلب بالفعل إلى مجلس الأمن”.
وانتقد الزعماء الغربيون هذه الخطوة باعتبارها انتهاكًا للقانون الدولي، وتتطلع الولايات المتحدة، وكذلك بريطانيا والاتحاد الأوروبي، الآن إلى معاقبة المناطق التي يسيطر عليها المتمردون – مع فرض عقوبات أشد على روسيا.
وفي خطاب ناري ألقاه خلال الليل، انتقد بوتين التهديدات للأمن الروسي من خلال توسيع التحالف العسكري الغربي لحلف شمال الأطلسي (الناتو) وقال إنه واثق من أن المواطنين الروس يدعمون قراره، مكررًا مزاعمه بأن أوكرانيا يجب أن تكون جزءًا من روسيا.
مناطق الانفصال
كان الانفصاليون المدعومون من روسيا في منطقتي دونيتسك ولوهانسك – المعروفين مجتمعين باسم دونباس – قد انشقوا عن سيطرة الحكومة الأوكرانية في عام 2014 وأعلنوا أنفسهم “جمهوريات شعبية” مستقلة، وهي حتى الآن من المفترض أنها غير معترف بها.
وتقول أوكرانيا منذ ذلك الحين إن نحو 15 ألف شخص قتلوا بفعل هذا الانشقاق. وتنفي روسيا أنها طرف في الصراع، لكنها دعمت الانفصاليين بعدة طرق، بما في ذلك من خلال الدعم العسكري السري والمساعدات المالية وإمدادات لقاحات كوفيد-19 وإصدار ما لا يقل عن 800 ألف جواز سفر روسي للسكان. وعلى الرغم أن موسكو لطالما نفت التخطيط لغزو أوكرانيا. جاء إعلانها صباح اليوم باستقلال تلك المناطق المنشقة، ليوضح كذب مزاعمها.
معنى الانفصال
عندما قالت روسيا للمرة الأولى اليوم الثلاثاء إنها لا تعتبر دونباس جزءًا من أوكرانيا، فإن ذلك يمكن أن يمهد الطريق لموسكو لإرسال قوات عسكرية إلى المناطق الانفصالية بشكل علني، باستخدام الحجة القائلة بأنها تتدخل كحليف لحمايتها من أوكرانيا.
ومن جهته، قال عضو البرلمان الروسي والزعيم السياسي السابق في دونيتسك، ألكسندر بوروداي، لرويترز الشهر الماضي إن الانفصاليين سيتطلعون بعد ذلك إلى روسيا لمساعدتهم على السيطرة على أجزاء من منطقتي دونيتسك ولوهانسك التي لا تزال تحت سيطرة القوات الأوكرانية.
إذا حدث ذلك، فقد يؤدي إلى نزاع عسكري مفتوح بين روسيا وأوكرانيا. وهو أمر أصبح وشيك الحدوث الآن بعد الانفصال.
يقضي الاعتراف الروسي فعليًا باستقلالية هاتين المنطقتين على اتفاقيات مينسك للسلام 2014-2015 التي، على الرغم من عدم تنفيذها، إلا أن جميع الأطراف، بما في ذلك موسكو، تعتبر حتى الآن أفضل فرصة للتوصل إلى حل. وكان ينص الاتفاق على درجة كبيرة من الحكم الذاتي للمنطقتين داخل أوكرانيا.
الجدير بالذكر أن تلك هي ليست المرة الأولى التي تعلن فيها روسيا عن استقلال بعض المناطق الصغيرة المنشقة، لقد اعترفت باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وهما منطقتان جورجيتان منفصلتان، بعد خوض حرب قصيرة مع جورجيا في عام 2008. وقد وفرت لهما دعمًا مكثفًا، ووسعت الجنسية الروسية لسكانها ونشرت الآلاف من القوات هناك.
رد فعل الغرب على الانفصال
اصطف زعماء العالم لإدانة تحرك روسيا إلى الشرق في اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي اليوم الثلاثاء، على الرغم من أنه لم يتم التعامل معه بعد على أنه الغزو الكامل الذي حذرت الولايات المتحدة من أنه سيؤدي إلى فرض عقوبات صارمة و”غير مسبوقة” على البنوك الروسية وقطاعات التكنولوجيا.
ومع ذلك، رفضت السفيرة الأمريكية، ليندا توماس جرينفيلد المزاعم الروسية ووصفتها بأنها “هراء” بأنها تعمل كقوات حفظ سلام لدرء إراقة الدماء المزعومة في دونباس من قبل أوكرانيا، قائلة إن وجودهم كان محاولة واضحة لتبرير “مزيد من الغزو لأوكرانيا”.
ومن جانبه، أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن أمرًا تنفيذيًا بوقف النشاط التجاري الأمريكي في المناطق الانفصالية وحظر استيراد جميع السلع من تلك المناطق.
في أستراليا، نفى رئيس الوزراء سكوت موريسون أيضًا مزاعم روسيا بالعمل على استعادة السلام، قائلاً إن موسكو “تحركت على أرض ذات سيادة أوكرانية” ويمكن أن يؤدي ذلك إلى “مواجهة عنيفة تمامًا مع عواقب إنسانية رهيبة”.
ووافقت بريطانيا وفرنسا وألمانيا أيضا على الرد بفرض عقوبات، وقالت بريطانيا والولايات المتحدة إنهما ستعلنان مزيدا من الإجراءات يوم الثلاثاء.
تداعيات الانفصال على أسواق المال حتى الآن
وصلت أسعار الذهب إلى أعلى مستوى لها منذ تسعة أشهر بعد أن أمرت روسيا قواتها بالدخول إلى المناطق الانفصالية في شرق أوكرانيا، مما عزز الطلب على المعدن الذي يعتبر ملاذًا آمنًا.
كما ارتفع سعر الذهب الفوري بنسبة 0.2 في المائة، ليستقر عند 1909.54 دولار للأوقية بعد أن سجل أعلى مستوياته منذ الأول من يونيو عند 1913.89 دولار للأوقية في وقت سابق. وزادت العقود الأمريكية الآجلة للذهب 0.7 بالمئة إلى 1913.60 دولار.
في غضون ذلك، قفز النفط إلى أعلى مستوى في سبع سنوات، وصعدت الملاذات الآمنة وتراجعت أسواق الأسهم ، بما في ذلك الهند، اليوم الثلاثاء مع وقوف الجناح الشرقي لأوروبا على شفا الحرب بعد أن أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القوات بدخول المناطق الانفصالية في شرق أوكرانيا.
أبرز العقوبات التي بدأت الدول فرضها على روسيا
فرضت بريطانيا، اليوم الثلاثاء، عقوبات على خمسة بنوك روسية وثلاثة من أصحاب الثروات الكبيرة من بينهم جينادي تيمشينكو بعد أن أمر الرئيس فلاديمير بوتين بنشر قوات في منطقتين انفصاليين في شرق أوكرانيا.
ومن جانبه، قال رئيس الوزراء بوريس جونسون أمام البرلمان “هذه هي الشريحة الأولى، أول وابل مما نحن على استعداد للقيام به”.
كما قال جونسون عن الأفراد الذين يخضعون للعقوبات: “سيتم تجميد أي أصول لديهم في المملكة المتحدة وسيتم منع الأفراد المعنيين من السفر إلى هنا”.
يعتبر وتيمشينكو حليف وثيق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقال جونسون إن البنوك الخاضعة للعقوبات هي Rossiya و IS Bank و General Bank و Promsvyazbank وبنك البحر الأسود.
علاوة على ذلك، هددت بريطانيا بقطع وصول الشركات الروسية إلى الدولار والجنيه الإسترليني، ومنعتها من جمع رأس المال في لندن، وفضح ما يسميه جونسون “الدمية الروسية” لملكية العقارات والشركات.
هذا وبدأت ألمانيا بالفعل في تنفيذ خطط لتعليق الموافقة على خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 الذي يربط روسيا بألمانيا.
كما قال المستشار الألماني أولاف شولتز في مؤتمر صحفي في برلين: “لقد طلبت من وزارة الاقتصاد الألمانية اليوم سحب التقرير الخاص بتحليل ضمانات إمدادات الطاقة من [المنظم الألماني] Bundesnetzagentur”. وقال للصحفيين إن حكومته أوقفت عملية التصديق على المشروع ردا على تصرفات موسكو في أوكرانيا.
“يبدو الأمر تقنيًا، لكن [التقرير عن تأثير خط الأنابيب] إجراء مطلوب، لذلك لا يمكن أن يكون هناك شهادة لخط الأنابيب الآن. بدون هذه الشهادة، لا يمكن تشغيل نورد ستريم 2.”