تمكّن فلاديمير بوتين من تفادي هجوم على موسكو باتفاق في اللحظات الأخيرة مع قائد المرتزقة المتمرّد؛ ولكن الانتفاضة اخترقت هيبته الكاملة على السيطرة السياسية على روسيا، على عكس أي حدث آخر في فترة حكمه التي تقارب الربع قرن.
وفي موسكو، صُدم المسؤولون المحليون بتجاهله لتحذيرات متكررة حول إعداد زعيم “فاغنر” يفغيني بريغوزين لإرسال قوافل من المقاتلين المسلحين إلى العاصمة.
وبدلاً من ذلك، سمح الزعيم الروسي لهم بالاقتراب إلى حدٍ يجعل السلطات تنشر الدبابات والقوات العسكرية في الدفاع عن المدينة. وهذا الأمر أضفى الشكوك، التي كان من غير المعقول التفكير فيها من قبل، على قدراته الأسطورية في السيطرة على البلاد.
ومن جهتهم، وصف مسؤولون أمريكيون وأوروبيون على نحو خاص الانتفاضة التي استمرت 24 ساعة – والتي كانت هناك مؤشرات مسبقة عليها في معلوماتهم الاستخباراتية – باعتبارها تحديًا غير مسبوق لسيطرة الرئيس البالغ من العمر 70 عامًا.
وحذروا من أن الصفقة المشبوهة التي سمحت لبريغوزين ورجاله بالمغادرة دون أي عواقب لا تعتبر بمثابة النهاية لتلك التوترات.
فبعد مرور سبعة عشر شهرًا من الحرب التي كان من المفترض أن تستمر لأيام قليلة فقط، كشف الاضطراب الأخير عن تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في تحطيم المظهر الثابت الذي عمل بوتين لسنوات على خلقه.
إذ قام بريغوزين، الذي كان مستشاراً مهمًا في تنظيم الأحداث في الكرملين، بتحدي عسكري للرئيس الروسي للمرة الأولى منذ عام 1993، وهو بمثابة نذير شؤم في بلد نتج عن حروبها الفاشلة مرارًا وتكرارًا إلى نهايات دموية للزعماء الذين بدأوها.
ومن جهتها، قالت إيكاترينا شولمان، عالمة سياسية روسية مقيمة حاليًا في برلين “هذا هو أكبر فشل علني في مسيرة بوتين السياسية بأكملها، إن الانتفاضة التي قادها بريغوزين تظهر مدى هشاشة النظام السياسي الروسي حقًا”.
وفقًا لتقييم استخباراتي سري أوروبي، من المرجح أن يخرج كل من بوتين وروسيا من الأزمة بوضع أضعف، وذلك بناءً على الاعتقاد بأنها سوف يتم اعتبارها فشلًا شخصيًا لسيادة بوتين داخل البلاد.
أثر التوترات في روسيا على حربها ضد أوكرانيا
وفي الوقت الذي عانت فيه أوكرانيا لكسر خطوط الجبهة الروسية بعملية مضادة كان أقصى ما تطمح إليه لاستعادة الأراضي المحتلة. وقالت كييف إن قواتها تقدمت حول بخموت، حيث كانت قوات واغنر تقاتل لعدة أشهر، بالإضافة إلى الجنوب بمزيد من التقدم. وقالت نائبة وزير الدفاع هانا ماليار يوم السبت: “هناك تقدم على جميع الجبهات”.
ويمكن أن يشجع ضعف بوتين حلفاء كييف الذين يدعون إلى رد أقوى على العدوان الروسي، خاصةً في قمة حلف الناتو في فيلنيوس الشهر المقبل حيث تسعى أوكرانيا إلى الحصول على التزامات أقوى من الحلف، وفقًا لمسؤول أوروبي رفيع المستوى.
فيما لكن بدى آخرين من شركاء كييف أكثر حذراً. وأعربوا عن قلقهم من أن الانقلاب قد يعزز موقف المتشددين الذين يرغبون في تكثيف الجهود الحربية أو جعل بوتين يتخذ موقفا غير متوقع. وقد طلبت العواصم الأمريكية والأوروبية من المسؤولين الحذر في تصريحاتهم العامة في ظل عدم اليقين.
هذا ومن المؤكد أن بوتين نجا من تهديدات سابقة لسلطته، بمواجهة احتجاجات عامة وأزمات اقتصادية وضغوط من الخارج.
وفي الوقت الحالي، لا يوجد أي علامة على تحدٍ مباشر لسيطرته. ولكن مع استعداد الكرملين للانتخابات القادمة في العام المقبل التي ستبقي بوتين في المنصب حتى عام 2030، فإن الشكوك بشأن لا قوته السياسية آخذة في التزايد.