منذ مستهل تعاملات هذا الأسبوع في أسواق المال العالمية، احتلت توقعات النمو العناوين الرئيسية جنبا إلى جنب مع توقعات التضخم أو بالأحرى المزيد من الارتفاعات الحادة في معدل التضخم في الولايات المتحدة.
وكان المحفز الذي دفع بتوقعات النمو وربطها بتوقعات التضخم في الولايات المتحدة هو تصريحات جيروم باول التي أدلى بها في المؤتمر الصحفي الذي انعقد عقب إعلام قرارات السياسة النقدية للفيدرالي الأربعاء الماضي.
وجاء الربط بين مستقبليات النمو والتضخم ليلقي الضوء على توقعات سلبية للغاية لمستقبليات كل منهما تؤدي في نهاية الأمر إلى الركود التضخمي (Stagflation)، وهو الركود الذي يحدث عند تباطؤ النمو مع ارتفاع حاد في التضخم وارتفاع معدل البطالة، مما يزيد من تفاقم الأزمة.
وسيطرت تلك المخاوف على الأسواق لتتحكم في اتجاهات المخاطرة السائدة لدى المستثمرين في أسواق المال العالمية، وهو ما أدى إلى تدهور كبير في شهية المخاطرة في الأسواق يصب في صالح الدولار الأمريكي على حساب عملات وأصول المخاطرة.
أروقة الفيدرالي
خرجت تصريحات من أروقة بنك الاحتياطي الفيدرالي أدت إلى تعزيز ما أدلى به جيروم باول من تصريحات الأربعاء الماضي، وهي تصريحات عضوي مجلس محافظي الفيدرالي جون وليامز وكريستوفر وولر.
وكانت تلك التصريحات في اتجاه التأكيد على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي ماضي في طريقه وبقوة وسرعة أكثر مما كان متوقعا في نهجه الحالي في اتجاه التشديد الكمي.
تصريحات كريستوفر وولر، عضو مجلس محافظي الفيدرالي، التي أشار خلالها إلى أنه حان الوقت للمزيد من رفع الفائدة لأن الاقتصاد يمكنه “أن يتحمل ذلك”.
وشدد وولر على أن الوقت بات ملائما لرفع الفائدة من أجل التعامل مع الارتفاعات الحادة في معدل التضخم، مؤكدا أن سوق العمل أصبحت توفر وظيفتين لكل باحث عن وظيفة”.
وقال جون وليامز، رئيس الفيدرالي في نيويورك إنه يتوقع أن “يتحرك الفيدرالي بسرعة في اتجاه العودة بمعدل الفائدة إلى المستويات الطبيعية هذا العام”.
توقع جيروم باول، رئيس مجلس محافظي الفيدرالي، في المؤتمر الصحفي المنعقد عقب إعلان قرارات السياسة النقدية للبنك المركزي أن “يشهد نمو الوظائف تباطؤ” في الفترة المقبلة.
وقال باول: “الأجور ترتفع، ونأمل في أن يعتدل تضخم الأجور، وفقا لتوقعاتنا”.
ورجح أن الفيدرالي لديه فرصة في الوقت الراهن “للهبوط الآمن”، مستندا إلى التحسن في أوضاع سوق العمل في الولايات المتحدة وكشوف موازنة الفيدرالي.
وأكد أن هذا الهبوط الآمن لن يكون سهلا، مشددا على أن الفيدرالي لن يتردد في تجاوز معدل الفائدة المحايد، الذي يقاس في ضوء التطورات على صعيد معدل التوظيف ومعدل التضخم، إذا اقتضت الضرورة ذلك.
والهبوط الآمن، الذي أشار إليه باول، هو الإبطاء من الوتيرة التي تسير عليها دورة النمو الاقتصادي بهدف تفادي دخول الاقتصاد في ركود.
وأكد باول على أن “الاقتصاد قوي للغاية، وفي وضع جيد يسمح له بالتعامل مع سياسة نقدية أكثر تشديدا”.
وأشار رئيس الفيدرالي إلى أن السلطات النقدية الفيدرالية تدرس بعناية الأوضاع المالية في البلاد من خلال ما ترجحه البيانات التي تظهرها مؤشرات هامة.
وقال: “الاضطرابات في المعروض (من السلع والخدمات) تضع البنوك المركزية في موقف صعب”.
وأشار رئيس الفيدرالي إلى أنه “قد يكون التصدي لارتفاع التضخم مؤلما، فالسماح له بالارتفاع سوف يكون أكثر إيلاما”.
وكانت تلك العبارة، التي جاءت بين تصريحات باول الأربعاء الماضي، بمثابة تحذير استوعبته الأسواق على مدار اليومين الماضيين من أسبوع التداول الجاري. وكانت أيضا بمثابة شرارة انطلاق لمخاوف حيال النمو الأمريكي، خاصة عندما وضعها المستثمرون جنبا إلى جنب مع حديثه عن “الهبوط المرن” والحاجة إلى الإبطاء من دورة النمو الاقتصادي.