ظهرت دفعة جديدة من بيانات التضخم الأمريكية جاءت إلى الأسواق محملة بتأكيد على أن التضخم في الولايات المتحدة قد يكون بالقرب من الذروة التي يستعد منها إلى الهبوط بعد أن أظهر تراجعا محدودا على مستوى أسعار المنتجين.
جاء ذلك بعد يوم واحد فقط من تراجع في التضخم السنوي لأسعار المستهلكين الذي جاء رغم ارتفاع باقي مؤشرات أسعار المستهلكين الأمريكيين الثلاثاء الماضي.
وتعالت بعض الأصوات في الأسواق بإمكانية أن يؤدي الانخفاض الهامشي في تضخم أسعار المنتجين ومن قبله التراجع المحدود في التضخم السنوي لأسعار المستهلكين إلى الدفع ببنك الاحتياطي الفيدرالي في اتجاه دراسة التمهل في رفع الفائدة في الاجتماع الذي ينعقد الأسبوع المقبل.
وألقت البيانات الأمريكية الضوء على هبوط أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة، إذ انخفض مؤشر أسعار المنتجين للطلب النهائي في الولايات المتحدة إلى 8.7٪ على أساس سنوي في أغسطس من 9.8٪ في يوليو ، حسبما كشفت البيانات التي نشرها مكتب إحصاءات العمل الأمريكي يوم الأربعاء. جاءت هذه الطبعة أقل من توقعات السوق البالغة 8.8٪.
انخفض مؤشر أسعار المنتجين الأساسي السنوي إلى 7.3٪ من 7.6٪ لكنه تجاوز توقعات السوق عند 7.1٪. على أساس شهري، ارتفع مؤشر أسعار المنتجين الأساسي بنسبة 0.4٪ بعد زيادة يوليو بنسبة 0.3٪.
وسجلت بيانات التضخم الأمريكية قراءات متباينة الثلاثاء الماضي أشارت في مجملها إلى استمرار ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة على مستوى أسعار المستهلك.
وارتفعت أسعار المستهلك الأمريكي بواقع 0.1% في أغسطس الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 0.0%، وهو ما فاق توقعات السوق التي أشارت إلى 0.1-%، وفقا للقراءة الشهرية للمؤشر.
لكن القراءة السنوية لأسعار المستهلك هبطت إلى 8.3% مقابل قراءة يوليو التي سجلت 8.5%، لكن القراءة جاءت أعلى من توقعات السوق التي أشارت إلى 8.1%.
وباستثناء أسعار الغذاء والطاقة، سجل تضخم أسعار المستهلك الأمريكي ارتفاعا بنسبة 0.6% الشهر الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 0.3%، وهو نفس المستويات التي أشارت إليها التوقعات، وفقا للقراءة الشهرية في حين ارتفعت القراءة السنوية للمؤشر أيضا بواقع 6.3% مقابل القراءة السابقة التي سجلت 5.9%.
هبوط شكلي
من خلال نظرة في عمق بيانات التضخم الأمريكية، نكتشف أن أسعار المستهلكين والمنتجين الأمريكيين شهدت تراجعا محدودا في أغسطس الماضي. لكن التراجع جاء في القراءات العامة لأسعار المستهلك بينما يهتم الفيدرالي أكثر بالقيمة الأساسية لأسعار المستهلك التي تستثني من الحسابات أسعار الغذاء والطاقة.
وتستثني القراءة الأساسية أسعار الغذاء والطاقة من مكونات أسعار المستهلك لأنها المكونات الأكثر تذبذبا، مما يجعل القراءة بدونها أكثر دقة وتوضيحا لحقيقة التضخم.
ورجحت القراءات التي تستثني المكونات الأكثر تقلبا أن التضخم في الولايات المتحدة لا يستمر في الارتفاع فحسب، بل يمتد إلى قطاعات اقتصادية أكثر في الولايات المتحدة.
بذلك يكون التضخم الأمريكي لا يزال بعيدا جدا عن الاعتدال ولم يصل بعد إلى الذروة التي تنتظر الاقتصادات الرئيسية أن يهبط منها إلى مستويات تتسق مع الهدف الرسمي للتضخم الذي تحدده البنوك المركزية الرئيسية.
ويرجح أن ارتفاع التضخم الأمريكي مدفوع بارتفاع الطلب من جانب المستهلكين. ويدعو المشهد الاقتصادي الحالي إلى التأمل، إذ كيف يستمر المستهلكون في شراء السلع والخدمات رغم الارتفاع الكبير في الأسعار؟
ونرجح أن الإجابة على هذا السؤال تتلخص في أن هناك زيادة في نمو الأجور، الذي يضيف إلى ارتفاع التضخم، ومن الطبيعي أن يزيد الحصول على دخل أكبر من قدرة المستهلكين على الشراء وسط ارتفاع الطلب.
وقد يكون السبب الثاني وراء استمرار المستهلكين في الشراء رغم الارتفاعات المغالى فيها في الأسعار هو أن أغلب الأمريكيين لا يزال لديهم مدخرات كثيرة نتيجة لحصولهم على مساعدات مالية كبيرة على مدار العامين الماضيين وسط انتشار وباء كوفيد19.
ومهما كانت الأسباب التي تقف وراء ارتفاع التضخم، يُعد هذا الارتفاع مصدرا للقلق من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي الذي ينتظر العالم أن يقول كلمته على صعيد وتيرة رفع الفائدة الأسبوع المقبل.
ويتوقع المستثمرون رفع الفائدة بـ 75 نقطة أساس في اجتماع الفيدرالي الأسبوع المقبل في حين ظهرت بعض التوقعات التي تشير إلى إمكانية الرفع بسرعة أقل. كما ظهرت على السطح توقعات برفع الفائدة الفيدرالية بواقع 1.00%، وفقا لمؤشر “فيدووتش” الذي أشار إلى ارتفاع احتمالات رفع الفائدة بـ1.00% إلى 1:5.