وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جيروم باول، رئيس مجلس محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي بـ”الغبي” في إطار الهجوم الذي استأنفه ترامب ضد باول لعدم قيام الأخير بخفض الفائدة حتى الآن.
وشهد الأسبوع الماضي حملة شعواء ضد جيروم باول بعد أن نشرت وسائل إعلام أمريكية تقارير تشير إلى أن ترامب يدرس ترشيح رئيس جديد للفيدرالي خلفًا لباول قبل نهاية فترة ولاية الأخير.
وكانت هذه التقارير وراء ظهور تكهنات بأن الإدارة الأمريكية قد تعين “رئيس ظل” للفيدرالي يعمل على توجيه السياسة النقدية بشكل غير رسمي وغير معلن، مما أثار شكوكًا حيال استقلالية البنك المركزي.
وأشارت تلك التكهنات أيضًا إلى أن هذا الرئيس الخفي قد يقود السياسة النقدية نحو المزيد من التيسير الكمي وخفض الفائدة، وهو النهج المفضل لدى ترامب.
غير أن البيت الأبيض سارع إلى نفي وجود أي نية حالية لتسمية مرشح جديد، وهو ما جاء – على الأرجح – نتيجة لموجة البيع المكثف التي ضربت الدولار بسبب هذه التقارير الإعلامية.
وتكمن المشكلة في زيادة القدر الحالي من انعدام اليقين حيال المسار المستقبلي للاقتصاد والسياسة النقدية للفيدرالي بسبب ما جاء في تقرير وول ستريت جورنال الذي ردد ما سبقت الإشارة إليه من تكهنات، وهو ما يجعل التصريحات في حد ذاتها غير ذات أهمية.
وزاد من الأثر السلبي لفتح الإدارة الأمريكية النار على باول عندما بدأ المستثمرون وضع هذا الهجوم جنبًا إلى جنبٍ مع القلق من تداعيات الرسوم الجمركية التي قد ترفع معدلات التضخم، وهو ما قد يدفع الفيدرالي إلى الإبقاء على سعر الفائدة كما هو – كما حدث في اجتماع يونيو الذي تم فيه تثبيت الفائدة ضمن النطاق 4.25% – 4.50%.
وهناك تابين محدود في وجهات نظر أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة فيما يتعلق بالاتجاه الحالي للسياسة النقدية. ويعكس هذا التباين، رغم محدوديته، أن هناك انقسام داخل هذه اللجنة المسؤولة عن اتخاذ قرارات السياسة النقدية، في مقدمتها الفائدة.
وأدلى كريستوفر وولر، أحد أبرز المرشحين لخلافة باول، بتصريحات الأسبوع الماضي ألقت الضوء على وجهة نظره التي تضمن أنه ينبغي خفض الفائدة قريبًا، في حين يرى باول أن التمهّل هو الخيار الأنسب بالنظر إلى المعطيات الحالية.
مبررات باول
يتمسك بأول، وأغلب أعضاء الفيدرالي، بوجهة نظر تتضمن أنه ينبغي التمهل لانتظار المزيد من الوضوح في المشهد الاقتصادي في البلاد قبل اتحاذ القرار بخفض الفائدة.
ويبرر رئيس الفيدرالي موقفه بأن الأمر قد يستغرق بعض الوقت حتى يتعرف صانعو السياسات النقدية على التأثير الكامل للتعريفات الجديدة – المقرر سريانها في التاسع من يوليو المقبل.
كما يمكن اعتبار وجهة نظر باول أكثر ملائمة للأوضاع الاقتصادية، إذ تظهر بيانات التضخم في الفترة الأخيرة، خاصة مؤشرات نفقات الاستهلاك الشخصي التي يعتمدها الفيدرالي، زيادة في نمو الأسعار في الولايات المتحدة.
كما يحتمل أن تشهد الأسعار العالمية للنفط المزيد من الارتفاع في ضوء اتفاق وقف إطلاق الناء الهش بين إيران وإسرائيل، وهو ما قد يولد المزيد من الضغوط التضخمية التي تواجهها الولايات المتحدة.
وسجلت القراءة السنوية ارتفاعًا طفيفًا إلى 2.3% في مايو الماضي مقابل القراءة المسجلة في نفس الشهر من العام الماضي عند 2.2%، لكن القراءة الفعلية توافقت مع توقعات الأسواق التي أشارت إلى 2.3%.
وباستثناء أسعار الغذاء والطاقة، سجل مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي في مايو الماضي ارتفاعًا إلى 0.2% مقابل القراءة السابقة التي أشارت إلى 0.1%، وهو ما جاء أعلى بقليل من توقعات الأسواق التي أشارت إلى 0.1%.
كما ارتفعت القراءة السنوية للمؤشر في مايو الماضي بواقع 0.1% أيضًا إلى 2.7% مقابل القراءة السابقة التي أشارت إلى 2.6%، وهو نفس الرقم الذي توقعته الأسواق التي رجحت ألا يشهد المؤشر أي تغيير الشهر الماضي.
وانخفض مؤشر الدخل الشخصي إلى 0.4-% الشهر الماضي مقابل قراءة الشهر السابق التي أشارت إلى ارتفاع بـ0.7%، وهو ما جاء أدنى بكثير من توقعات السوق التي أشارت إلى 0.3%.
بناء على ما سبق، لابد من أن يحصل الفيدرالي على الوقت الكافي لتقييم الأوضاع قبل أي تحرك بمعدل الفائدة وعدم التعرض لضغط من ترامب، الذي قد يُدرك لاحقًا أنه أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في تفاقم التحديات التي تواجه الفيدرالي.