أظهرت بيانات التوظيف الأولية تراجعًا حادًا في توظيف القطاع الخاص في الولايات المتحدة، وهو ما اتضح من خلال قراءة التغير في توظيف القطاعات غير الزراعية في البلاد.
وجاء التراجع الحاد في نمو الوظائف، وفقًا للمؤشر الصادر عن إدارة المعالجة الإلكترونية للبيانات (ADP)، إذ تراجع عدد الوظائف بمقدار 32,000 وظيفة، وهو أول انخفاض شهري منذ بداية العام، ويُعد مؤشرًا سلبيًا على تباطؤ محتمل في سوق العمل الأمريكي.
لا تزال بيانات سوق العمل الأمريكية تُشكل ضغطًا سلبيًا على الدولار، حيث أظهر تقرير صادر عن شركة تشالنجر جراي& كريسماس أن أرباب العمل في الولايات المتحدة أعلنوا عن أكبر عدد من خطط تسريح العمال حتى الآن هذا العام منذ عام 2020.
ففي سبتمبر، انخفض عدد الوظائف التي تم الإعلان عن تسريحها بنسبة 25.8% على أساس سنوي ليصل إلى 54064 وظيفة، لكن إجمالي عدد الوظائف التي تم الإعلان عن تسريحها منذ بداية العام بلغ 946426 وظيفة، وهو أعلى رقم مسجل للفترة من يناير إلى سبتمبر منذ بداية جائحة كورونا.
وعلى الجانب الآخر، بلغ عدد الوظائف الجديدة التي أعلن عنها أرباب العمل الأمريكيون خلال نفس الفترة نحو 205,000 وظيفة فقط، وهو أضعف أداء للتوظيف في بداية العام منذ عام 2009، مما يعكس تباطؤًا واضحًا في ديناميكية سوق العمل.
وعززت هذه المؤشرات السلبية توقعات الأسواق بأن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل يومي 28 و29 أكتوبر، وهو ما يُعد عاملًا سلبيًا للدولار، نظرًا لأن خفض الفائدة يُقلل من جاذبية العملة للمستثمرين.
الإغلاق الحكومي
هذا التراجع المفاجئ يأتي في وقت حساس، إذ يُراقب المستثمرون وصناع القرار عن كثب أداء سوق العمل لتقييم مدى صلابة الاقتصاد، خاصة في ظل استمرار الإغلاق الحكومي وتعطل صدور البيانات الرسمية من مكتب إحصاءات العمل.
ويُعد تقرير ADP بمثابة مؤشر أولي لحالة سوق العمل، حيث يعتمد على بيانات الرواتب في القطاع الخاص، ويُستخدم على نطاق واسع لتكوين توقعات بشأن تقرير الوظائف الرسمي.
مع ذلك، قد تتسع الفجوة بين بياناتADP والتقرير الرسمي الصادر عن مكتب إحصاء العمالة في ظل الإغلاق الحكومي، مما يُضعف من قدرة الاحتياطي الفيدرالي على اتخاذ قرارات دقيقة بشأن السياسة النقدية.
بحسب التقرير، فإن التراجع في التوظيف كان أكثر وضوحًا في قطاعات التصنيع والبناء، وهي قطاعات تُعد حساسة لتقلبات أسعار الفائدة وتكاليف الاقتراض.
في المقابل، حافظت بعض القطاعات الخدمية مثل التعليم والرعاية الصحية على مستويات توظيف مستقرة نسبيًا، لكنها لم تكن كافية لتعويض الانخفاض العام.
ويُشير المحللون إلى أن هذا التباطؤ قد يكون مرتبطًا بعدة عوامل، أبرزها ارتفاع تكاليف التمويل نتيجة رفع أسعار الفائدة خلال العام الماضي، إلى جانب تراجع ثقة الشركات في ظل حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي، خاصة مع استمرار الإغلاق الحكومي الذي يُعطل عمل العديد من الوكالات الفيدرالية ويُؤثر على الإنفاق العام.
من جهة أخرى، يُسلط التقرير الضوء على ضعف التوظيف الجديد، حيث أعلن أرباب العمل الأمريكيون عن خطط لإضافة نحو 205,000 وظيفة فقط منذ بداية العام وحتى سبتمبر، وهو أضعف أداء للتوظيف في بداية العام منذ عام 2009، أي منذ الأزمة المالية العالمية.
القطاعات الاقتصادية الهامة
سجلت قراءة مكون التوظيف في مؤشر مديري المشتريات التصنيعي في الولايات المتحدة إلى 45.3 نقطة مقابل القراءة السابقة التي سجلت 43.8 نقطة، وهو ما يدل على زيادة في نمو الوظائف في قطاع التصنيع في الولايات المتحدة.
وسجلت قراءة مؤشر فرص العمل الأمريكية (JOLTS) ارتفاعًا إلى7.227 مليون فرصة عمل في أغسطس الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 7.208 مليون فرصة عمل.
وكان توقعات الأسواق تشير إلى تراجع في قراءة هذا المؤشر الأولي من مؤشرات التوظيف الأمريكية إلى 7.200 مليون فرصة عمل.
هذا الرقم يعكس فتورًا في ديناميكية سوق العمل، ويُثير تساؤلات حول قدرة الاقتصاد الأمريكي على الحفاظ على زخم النمو في ظل الظروف الحالية.
ويُعزز هذا التراجع من توقعات الأسواق بأن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل يومي 28 و29 أكتوبر، في محاولة لدعم النمو الاقتصادي وتخفيف الضغوط على سوق العمل.
مع ذلك، فإن غياب البيانات الرسمية يُصعّب من مهمة الفيدرالي في تقييم الوضع بدقة، ويُبقي الأسواق في حالة ترقب وتوتر.
في هذا السياق، يُواجه الفيدرالي تحديًا مزدوجًا: من جهة، الحاجة إلى دعم الاقتصاد في ظل مؤشرات التباطؤ، ومن جهة أخرى، ضرورة الحفاظ على مصداقيته واستقلاليته في ظل الضغوط السياسية المتزايدة. ويُعد هذا الوضع مثالًا على كيف يمكن للاضطرابات السياسية أن تُؤثر مباشرة على أدوات صنع القرار الاقتصادي، بل وتُهدد استقرار الأسواق العالمية.
في المجمل، يُعد تقرير ADP بمثابة إنذار مبكر بشأن ضعف محتمل في سوق العمل الأمريكي، ويُسلط الضوء على التحديات التي تواجه الاقتصاد في ظل التوترات السياسية، وتباطؤ النمو، وتغيرات السياسة النقدية.