تواصل روسيا مواجهة المشاكل الاقتصادية، على الرغم من حقيقة أن عملة البلاد قد انتعشت، بعد تدخل هائل من البنك المركزي الروسي بهدف تحقيق الاستقرار فيها.
ويتداول الروبل الآن عند 56.61 للدولار، ليرتد من أدنى مستوى له عند 121.53 في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا. ففي محاولة لخفض قيمة الروبل إلى ما بين 70-80 للدولار، أي ليصل إلى المستويات التي كان عليها قبل الحرب، وقع الرئيس الروسي، بوتين، على أمر يوم الخميس الماضي من شأنه تخفيف بعض ضوابط رأس المال.
وذلك لأن الروبل القوي، الذي أصبحت قيمته الآن أعلى مما كانت عليه في السنوات الأربع الماضية، يهدد صادرات البلاد، لأنه يجعل شراء البضائع الروسية أكثر تكلفة بالنسبة للمشترين في الخارج.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل روسيا على زيادة حجم العجز المتزايد بالفعل في الميزانية الفيدرالية، والذي تغذيه النفقات العسكرية والتدابير التي تهدف إلى تخفيف آثار العقوبات الغربية. ومن جانبه، قدر وزير المالية في البلاد أنه سيكون هناك فجوة مقدارها 1.6 تريليون روبل في الميزانية الروسية بحلول نهاية هذا العام.
وضع الاقتصاد الروسي
من المتوقع أن يتقلص الناتج المحلي الإجمالي الروسي رسميًا بنسبة 7.5 في المائة في عام 2022. ويقدر البنك الدولي هذا الرقم عند 11.2 في المائة. كما يتوقع أن يتقلص الدخل الحقيقي، الذي تآكل بسبب التضخم، ومتأخرات الأجور، وتسريح العمال، والتحول إلى العمل بدوام جزئي، يمكن أن يتقلص بنسبة تصل إلى 9 في المائة، وفقًا لتحليل حديث نُشر في صحيفة كوميرسانت اليومية.
ويعد هذا التقدير أعلى بنحو 3 نقاط من تقدير وزارة التنمية الاقتصادية، التي تتوقع أنه حتى في أفضل السيناريوهات، فإنه بحلول عام 2025 ستكون الأرباح الحقيقية للروس أقل من تلك التي كانت في عام 2013، قبل بدء الجولة الأولى من العقوبات الغربية.
ففي الوقت الراهن، ما يساعد على إبقاء نمو الاقتصاد الروسي قائمًا هو عائدات النفط والغاز، حيث إن عمليات الحظر الغربية، التي أدت إلى ارتفاع الأسعار بقوة، لم تغلق البلاد تمامًا خارج سوق الطاقة العالمية.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو يعملون على زيادة عزلة موسكو، حيث أعلنت ألمانيا للتو أن الاتحاد الأوروبي على بعد “أيام” من حظر واردات النفط الروسية، فإن الصين والهند ودول أخرى تتقدم لشراء إمداداتها.
ففي شهر أبريل الماضي، ارتفعت مشتريات الصين من البضائع الروسية، ومعظمها من النفط والغاز الطبيعي، إلى 8.89 مليار دولار، بزيادة 56.5 في المائة عن العام الماضي. ومع ذلك، فإن روسيا تبيع البراميل بسعر يقل بنحو 10 دولارات عن سعر السوق، مع قدرة المستهلكين على الحصول على خصم كبير.
وبدلاً من تنويع اقتصادها أو شركائها التجاريين، أصبحت روسيا تعتمد بشكل متزايد على قطاع الطاقة وعلاقاتها مع عدد صغير نسبيًا من المشترين الرئيسيين. وكانت قد شكلت الإيرادات المحققة من بيع النفط والغاز، التي ارتفعت من 1.2 تريليون روبل في مارس 2022 إلى 1.8 تريليون روبل في أبريل 2022، 63٪ من ميزانية روسيا الشهر الماضي. اعتبارًا من الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، يمثلون 48 في المائة ، مقارنة بـ 36 في المائة في عام 2021 بالكامل.
بينما تجني موسكو أرباحًا كبيرة من ارتفاع أسعار النفط، فإن الإنتاج الروسي يتراجع. واعتبارًا من منتصف شهر مايو، انخفض إنتاج النفط اليومي بمقدار 830 ألف برميل مقارنة بشهر فبراير.
كما تقصف العقوبات المناهضة لروسيا الاقتصاد بطرق أخرى أيضًا. فمقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، تراجعت عائدات الحكومة الروسية من خارج صناعة النفط والغاز حتى أبريل بنسبة 18٪.
كما أن أزمة الواردات، والتي ستنخفض بحسب وزارة التنمية الاقتصادية هذا العام من الناحية المادية بنسبة 26.5٪ ومن حيث القيمة بنسبة 17.1٪، ستؤثر أيضًا، حيث تخسر الحكومة الإيرادات من الرسوم الجمركية والرسوم الجمركية وضرائب القيمة المضافة.
وعلى صعيد آخر، يزعم المسؤولون حاليًا أن معدل البطالة وصل إلى 6.7 في المائة فقط، مقارنة بـ 4.8 في المائة العام الماضي.
أما على مدار شهري مارس وأبريل، أضافت روسيا 40.000 إلى قوائم البطالة، مما رفع العدد الإجمالي للأشخاص الباحثين عن عمل إلى 690.500، حسبما ذكرته السلطات الحكومية. ومن أجل منع الانهيار في سوق العمل، فرضت الحكومة قيودًا مختلفة تحد من قدرة أصحاب العمل لى تسريح العمال.
السياسة النقدية الروسية
أعلن البنك المركزي الروسي عن اجتماع طارئ لتحديد سعر الفائدة يوم غد الخميس، أي قبل أكثر من أسبوعين من الاجتماع المقرر في 10 يونيو، حيث تتوقع الأسواق خفضًا حادًا آخر في أسعار الفائدة للحد من ارتفاع الروبل.
وفي شهر أبريل، خفض البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار 600 نقطة أساس تراكمية إلى 14٪ مع انخفاض التضخم منذ رفع معدل الفائدة الطارئ إلى 20٪ في الأيام التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير.
ومن جهته، أفاد البنك أن توقعات التضخم على مدى الاثني عشر شهرًا القادمة انخفضت إلى 11.5٪ في مايو، وهو مستوى شوهد آخر مرة منذ عام.