تسير جميع التوقعات الحالية للفائدة الفيدرالية في اتجاه خفض الفائدة للمرة الأولى منذ بداية الدورة الحالية للتشديد الكمي في مارس 2022، وهو ما يثير تساؤلات؛ أبرزها حول مدى قدرة بنك الاحتياطي الفيدرالي على قيادة السياسة النقدية حول العالم، وهل يستمر الفيدرالي في كونه مرجعًا تهتدي به البنوك المركزية الرئيسية لتضع نفسها على المسار المستقبلي الصحيح للفائدة.
في الحقيقة، يمكننا أن نرجح في الوقت الراهن أن الفيدرالي جاء متأخرًا لينضم إلى طابور البنوك المركزية التي تحولت إلى التيسير الكمي في الفترة الأخيرة بعد أن أيقنت أنها انتصرت في حربها ضد التضخم؛ أبرزها البنك المركزي الأوروبي، وبنك إنجلترا، وبنك كندا. ولن نتطرق بالحديث هنا عن بنك اليابان الذي فاجأ العالم برفع الفائدة ليسبح ضد التيار العام العالمي للسياسة النقدية.
وعلى مدار أغسطس الماضي وسبتمبر لجاري، توالت مؤشرات اقتصادية وتوقعات خاصة بالفائدة وتكهنات تتعلق بالسياسة النقدية المستقبلية للفيدرالي وغيره من البنوك المركزية لدول الاقتصادات المتقدمة، يبدو أنها هي التي كانت وراء تصاعد التوقعات بخفض الفائدة المحتمل من قبل اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الأربعاء.
البيانات الاقتصادية
جاءت أغلب البيانات الأمريكية في الفترة الأخيرة – تحديدًا هذا الشهر – مؤيدة للاتجاه إلى خفض الفائدة، إذ جاء نمو الوظائف الأمريكية أقل من التوقعات رغم ارتفاعه مقارنة بقراءات يوليو الماضي، كما حقق نمو الأجور ارتفاعًا محدودة في أغسطس الماضي، علاوة على تراجع محدود في معدل البطالة الأمريكية.
وحقق نمو الوظائف ونمو الأجور في الولايات المتحدة ارتفاعًا في أغسطس الماضي، وفقا لما صدر من بيانات التوظيف الأمريكية عن مكتب إحصاء العمالة في الولايات المتحدة، والتي ألقت الضوء على تحسن كبير في أوضاع سوق العمل، وفقٌا للبيانات الصادرة في الجمعة الأولى من هذا الأسبوع.
وارتفع مؤشر التغير في توظيف القطاعات غير الزراعية في الولايات المتحدة إلى 142000 وظيفة في أغسطس الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 89000 وظيفة. رغم هذا الارتفاع، جاءت القراءة أقل من توقعات الأسواق التي أشارت إلى 160000 وظيفة.
وارتفع نمو الأجور بصفة عامة في الولايات المتحدة، وهو ما اتضح من خلال قراءات مؤشر متوسط الكسب في الساعة في الولايات المتحدة التي أظهرت ارتفاعًا على أساس شهري وسنوي.
وارتفعت قراءة مؤشر متوسط الكسب في الساعة في الولايات المتحدة على أساس سنوي إلى 3.8% الشهر الماضي مقابل قراءة نفس الشهر من العام الماضي التي سجلت 3.6%، وهو ما جاء أعلى من توقعات الأسواق التي أشارت إلى 3.7%.
وارتفعت القراءة الشهرية أيضًا إلى 0.4% في أغسطس الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 0.2%، وهو ما تجاوز توقعات الأسواق التي أشارت إلى ارتفاع بواقع 0.3%
وارتفع مؤشر أسعار المستهلك في الأمريكي بواقع 0.2% في أغسطس الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت نفس الرقم والتوقعات التي لم تختلف عن القراءتين، مما يشير إلى جمود في نمو الأسعار، وفقا للقراءة الشهرية للمؤشر.
وعلى صعيد القراءة السنوية، ارتفعت قراءة أسعار المستهلك في أغسطس الماضي بواقع 2.5% فقط مقابل القراءة المسجلة في نفس الشهر من العام الماضي عند 2.9%، وهو ما جاء أدنى من توقعات السوق التي أشارت إلى 2.6%.
وبحساب تضخم أسعار المستهلك باستثناء أسعار الغذاء والطاقة، ارتفع المؤشر الأمريكي بواقع 0.3% في أغسطس مقابل قراءة يوليو الماضي التي سجلت ارتفاعًا بـ0.2%، وهو ما جاء أعلى من توقعات السوق التي أشارت إلى 0.2%.
وارتفعت القراءة السنوية لمؤشر أسعار المستهلك باستثناء أسعار الغذاء والطاقة بواقع 3.2% في أغسطس الماضي مقابل القراءة المسجلة في نفس الشهر من العام الماضي عند نفس المستويات، وهو أيضًا نفس المستوى الذي أشارت إليه التوقعات.
وارتفع مؤشر أسعار المنتجين الأمريكيين بواقع 0.2% في أغسطس الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 0.0%، وهو ما يشير إلى أرقام فاقت توقعات الأسواق.
وعلى صعيد القراءة السنوية، ارتفعت قراءة أسعار المنتجين في أغسطس الماضي بواقع 1.7% مقابل القراءة المسجلة في نفس الشهر من العام الماضي عند 2.1%، وهو ما جاء أدنى من توقعات السوق التي أشارت إلى 1.8%.
عوامل أخرى
هناك عوامل أخرى قد تدفع بالفيدرالي إلى خفض الفائدة في اجتماع هذا الشهر؛ أبرزها أن يتفادى البنك المركزي الخطأ في تقدير التضخم والمسار الحالي لنمو الأسعار للمرة الثانية على التوالي مثلما حدث في الاجتماع الماضي. كما يريد البنك المركزي أن يوقف نزيف سوق العمل الأمريكي ويتجنب المزيد من التدهور في نمو الوظائف والأجور بعد هبوط التضخم إلى مستويات مطمئنة بعض الشيء.
ويسعى الفيدرالي أيضًا بالبدء في خفض الفائدة إلى بدء رحلة العودة بالسياسة النقدية إلى الأوضاع الطبيعية حتى تستقر الأوضاع النقدية والمالية للولايات المتحدة، وهو ما ينعكس إيجابيًا على أداء الاقتصاد الأمريكي.
كما يرجح أن يكون لدى البنك المركزي إرادة قوية لخفض الفائدة بهدف حماية الاقتصاد من الركود، إذ ظهرت في الفترة الأخيرة دفعات من البيانات ألقت الضوء في الأشهر القليلة الماضية على تباطؤ أداء بعض القطاعات الاقتصادية.
وقد يكون من بين ما يدفع البنك المركزي إلى خفض الفائدة محاولة دعم وتعزيز أداء قطاع الإسكان من خلال انخفاض الفائدة على الرهون العقارية علاوة على دعم القطاع المصرفي من خلال خفض الفائدة على قروض الإسكان التجارية، وهو ما يحدث بمجرد البدء في خفض معدل الفائدة الرئيسي.
ولدينا أيضًا محاولة دعم أسواق الأسهم التي تؤدي أداء أفضل في البيئة الاقتصادية التي توفر تكلفة اقتراض أقل لما في ذلك من دعم قدرة الشركات على النمو والتوسع من خلال الاقتراض بفائدة أقل.