ختم الدولار الأمريكي تعاملات الأسبوع الماضي في الاتجاه الهابط متأثرًا بالبيانات الاقتصادية التي ألقت الضوء على تراجع في معدلات التضخم في الولايات المتحدة، مما أدى إلى تصاعد توقعات بخفض الفائدة في سبتمبر الجاري أثناء اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الأربعاء المقبل.
كما تعرضت العملة للمزيد من الضغط في الاتجاه الهابط بعد تصاعد توقعات بإمكانية لجوء الفيدرالي إلى خفض الفائدة بقدر أكبر مما كانت تتوقعه الأسواق في الفترة الأخيرة. وأشارت تلك التكهنات إلى إمكانية خفض الفائدة الفيدرالية بواقع 50 نقطة أساس، لا 25 نقطة فقط، في الاجتماع المقبل للبنك المركزي.
وعادت إلى الأسواق على مدار الأسبوع الماضي توقعات بخفض الفائدة الفيدرالية بقدر أكبر من 25 نقطة أساس إلى المشهد من جديد، مما عزز الأمل لدى المستثمرين في الاقتراب من دخول بيئة اقتصادية تتراجع فيها تكلفة الاقتراض ومن ثم تستطيع الشركات التوسع والنمو بشكل أكبر، وهو ما أثار تفاؤلًا في الأسواق أثناء تعاملات في الأيام القليلة الماضية.
وتعززت تلك التكهنات بعد أن نشرت صحيفة فايننشال تايمز تقريرًا أشار إلى أن الفيدرالي قد يخفض الفائدة بـ50 نقطة أساس، وأن الحفض بهذا الحجم قد يكون الحل الوحيد لنجاة الاقتصاد الأمريكي من الركود، وهو ما أضاف المزيد من القوة إلى التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها الرئيس السابق لمجلس محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي وليام دودلي الذي قال إن هناك “مبررًا قويًا” لخفض كبير للفائدة.
وتعاني الأسواق على مدار الأيام القليلة الماضية من ارتباك شديد بسبب تأرجح في توقعات الفائدة بين تكهنات تشير إلى أن الفيدرالي قد يخفض الفائدة بـ25 نقطة أساس وأخرى تشير إلى أن البنك المركزي قد يخفض بـ50 نقطة أساس، وهو الأمر الذي أوقع المستثمرين في حيرة من أمرهم في ضوء أنه الخفض الأول للفائدة الذي يعلن نهاية الدورة الحالية من التشديد الكمي.
التضخم الأمريكي
ارتفع مؤشر أسعار المستهلك في الأمريكي بواقع 0.2% في أغسطس الماضي مقابل القراءة التي السابقة سجلت نفس الرقم والتوقعات التي لم تختلف عن القراءتين، مما يشير إلى جمود في نمو الأسعار، وفقا للقراءة الشهرية للمؤشر.
وعلى صعيد القراءة السنوية، ارتفعت قراءة أسعار المستهلك في أغسطس الماضي بواقع 2.5% فقط مقابل القراءة المسجلة في نفس الشهر من العام الماضي عند 2.9%، وهو ما جاء أدنى من توقعات السوق التي أشارت إلى 2.6%.
وبحساب تضخم أسعار المستهلك باستثناء أسعار الغذاء والطاقة، ارتفع المؤشر الأمريكي بواقع 0.3% في أغسطس مقابل قراءة يوليو الماضي التي سجلت ارتفاعًا بـ0.2%، وهو ما جاء أعلى من توقعات السوق التي أشارت إلى 0.2%.
وارتفعت القراءة السنوية لمؤشر أسعار المستهلك باستثناء أسعار الغذاء والطاقة بواقع 3.2% في أغسطس الماضي مقابل القراءة المسجلة في نفس الشهر من العام الماضي عند نفس المستويات، وهو أيضًا نفس المستوى الذي أشارت إليه التوقعات.
وارتفع مؤشر أسعار المنتجين الأمريكيين بواقع 0.2% في أغسطس الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 0.0%، وهو ما يشير إلى أرقام فاقت توقعات الأسواق.
وعلى صعيد القراءة السنوية، ارتفعت قراءة أسعار المنتجين في أغسطس الماضي بواقع 1.7% مقابل القراءة المسجلة في نفس الشهر من العام الماضي عند 2.1%، وهو ما جاء أدنى من توقعات السوق التي أشارت إلى 1.8%.
وبحساب تضخم أسعار المنتجين باستثناء أسعار الغذاء والطاقة، ارتفع المؤشر الأمريكي بواقع 0.3% في أغسطس مقابل قراءة يوليو الماضي التي سجلت هبوطًا بواقع 0.2-%، وهو ما جاء أعلى من توقعات السوق التي أشارت إلى 0.2%.
وارتفعت القراءة السنوية لمؤشر أسعار المنتجين باستثناء أسعار الغذاء والطاقة بواقع 2.4% في أغسطس الماضي مقابل القراءة المسجلة في نفس الشهر من العام الماضي عند نفس المستويات، وهو ما جاء أدنى من توقعات السوق.
وتقع قراءات التضخم على قدر كبير من الأهمية بالنسبة للأسواق، إذ يُعد استقرار الأسعار – متمثلا في ضبط معدلات التضخم – أحد مكوني للتكليف الثنائي الذي تلقيه الإدارة الأمريكية على كاهل بنك الاحتياطي الفيدرالي.
اليورو والمركزي الأوروبي
تمكن اليورو من إنهاء التعاملات الخميس في الاتجاه الصاعد رغم قرار البنك المركزي الأوروبي خفض الفائدة في ختام اجتماع سبتمبر الجاري، مما ألقى الضوء على أن السلطات النقدية الأوروبية سلكت المسار الذي كان متوقعًا لها على نطاق واسع.
وكانت هناك أسباب قوية تدعم صعود العملة الأوروبية الموحدة”؛ أولها أن الأسواق كانت تثمن رفع الخفض الذي اتخذ القرار بشأنه. ويشير السبب الثاني إلى ضعف الدولار الأمريكي الذي تأثر سلبًا ببيانات التضخم الأمريكية.
كما أعلن بيان الفائدة الصادر عن البنك المركزي الأوروبي، ممثلا في أعضاء لجنة السياسة النقدية، عن ثقته في أن التضخم في اتجاهه إلى تحقيق الهدف الرسمي عند مستوى 2.00%، وهو ما أضاف إلى الثقة في العملة الأوروبية الموحدة.
وغابت التوقعات الرسمية بالمسار المستقبلي للسياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي عن المشهد عقب إعلان خفض الفائدة، وهو ما بدا واضحًا في بيان الفائدة الأوروبية خاليًا من التوقعات الرسمية لقرار الفائدة في اجتماع أكتوبر المقبل، وهل يكون تثبيت المعدلات الحالية أم المزيد من الخفض، وهو أيضًا ما أضاف المزيد من زخم الصعود للعملة.
وخفض البنك المركزي الأوروبي الفائدة بـ25 نقطة أساس في نهاية اجتماع لجنة السياسة النقدية لشهر سبتمبر الجاري الخميس ليصل معدل الفائدة الرئيسي على الإيداعات إلى 3.5%.
ورغم خلو حديث كريستين لاجارد، رئيسة مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي، من أي إشارة إلى قرار الفائدة المقبل – وهل يخفض البنك المركزي المعدلات في اجتماع أكتوبر المقبل أم لا – أكدت رئيسة لجنة السياسة النقدية الأوروبية أن لديها المزيد من الثقة في أن البنك المركزي في طريقه إلى تحقيق الهدف الرسمي للتضخم المحدد بـ2.00%.
كما أعربت لاجارد وشركائها في مجلس محافظي المركزي الأوروبي عن ثقتهم – التي تتزايد بمرور الوقت – في أن التضخم في منطقة اليورو في طريقه نحو هدف البنك المركزي الأوروبي المحدد بـ2.00%.
يرجح أن السبب في تثبيت تقديرات التضخم هو ما ذكرته لاجارد من أن النمو يواجه صعوبة بالغة في التقدم، مشيرة إلى أن مخاطر تراجع النمو ترتفع في الفترة الأخيرة. لكنها أكدت في نفس الوقت على أن تعافي الاقتصاد قد يزداد قوة بمرور الوقت مستفيدًا من ارتفاع الدخل الحقيقي وتراجع حدة سياسة التشديد الكمي التي بدأت السلطات النقدية في التخلص منها تدريجيًا عن طريق خفض الفائدة.
كما أشار البنك المركزي الأوروبي إلى أنه رغم التحسن الكبير في أوضاع سوق العمل في منطقة اليورو في النصف الأول من هذا العام، هناك اعتدال في أرقام نمو الوظائف التي اقتربت من مستويات ما قبل الوباء في حين تراجع الطلب على العمالة والأجور في المنطقة أيضًا.
الأسبوع المقبل
يتربع قرار الفائدة لبنك الاحتياطي الفيدرالي على عرش محركات السوق الأسبوع المقبل، وهو القرار الذي يتوقع على نطاق واسع أن يكون بمثابة إعلان نهاية الدورة الحالية للتشديد الكمي والبدء في الأخذ بزمام السياسة النقدية في الاتجاه المعاكس حيث معدلات الفائدة المنخفضة والبيئة النقدية الأقل تشديدًا.
وبدأ الفيدرالي رفع الفائدة في اجتماع مارس 2022 بهدف مكافحة الارتفاع الحاد في معدل التضخم في الولايات المتحدة نتيجة للاضطرابات في سلاسل الإمدادات الناتجة عن انتشار جائحة كوفيد19 ومن بعدها الغزو الروسي لأوكرانيا. واستمر البنك المركزي في رفع الفائدة تدريجيًا حتى وصلت إلى مستويات غير مسبوقة في حوالي 23 سنة حتى اجتماع يوليو الماضي بعد أن استمر في الإبقاء على معدل الفائدة الرئيسي عند مستويات مرتفعة تاريخية لعام كامل.
والجديد هذا الاجتماع ليس خفض الفائدة المحتمل، لكنه تلك التوقعات التي تشير إلى خفض أكبر للفائدة الفيدرالية بـ50 نقطة أساس، وهو ما يثير مخاوف إصابة الأسواق بصدمة بعد أكثر من عامين من العمل بمعدلات بالغة الارتفاع. ولا يزال المستثمرون في أسواق المال يقيمون تكهنات الخفض الكبير للفائدة – 50 نقطة أساس – في ضوء ما صدر من بيانات وما ظهر على السطح من تطورات على صعيد الاقتصاد والسياسة النقدية.
كما يترقب المستثمرون في الأسواق تصريحات جيروم باول، رئيس مجلس محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي، في المؤتمر الصحفي الذي ينعقد عقب إعلان قرار الفائدة، وذلك التماسًا إلى أي إشارة إلى الخطوة التالية للسياسة النقدية.