ظهرت دفعات من بيانات التضخم في الأيام القليلة الماضية مسببة حالة من التوتر في أسواق المال العالمية، مما أدى إلى تراجع الكثير من أصول المخاطرة والملاذ الآمن على حدٍ سواء.
وكانت أبرز تلك البيانات مؤشرات أسعار المنتجين الأمريكيين، وأسعار المستهلك الأوروبي والأمريكي التي جاءت في مجملها لتعكس استمرار ارتفاع التضخم في الأسعار بصفة عامة.
ومقابل التضخم، كان لدينا الأسبوع الماضي القرارات الصادرة من بنك الاحتياطي الفيدرالي بالبدء في خفض مشتريات الأصول في منتصف نوفمبر الجاري، وذلك تمهيدا للانتهاء تماما من شراء الأصول ووقف البرنامج الخاص بها نهائيا في يونيو 2022 ليبدأ البنك المركزي عهدا جديدا من السياسة النقدية يسود فيه التقييد النقدي بديلا للتيسير الكمي.
وفي أغلب الأحيان، تلجأ البنوك المركزية إلى خفض أو وقف مشتريات الأصول عندما تستشعر اقتراب الأوضاع الاقتصادية من التحسن، مما يقلل من حاجة الاقتصاد إلى ضخ المزيد من السيولة في الأسواق. لكن الدافع الأكثر أهمية وإلحاحا في الفترة الأخيرة الذي ضغط على الفيدرالي وغيره من البنوك المركزية الرئيسية على مستوى العالم في اتجاه التقييد النقدي، وهو الارتفاع الحاد المستمر في التضخم على مستوى العالم.
ورجح عدد كبير من مسؤولي السياسة النقدية على مستوى العالم أن الأسباب في ارتفاع معدل التضخم إلى حدٍ يثير القلق يرجع إلى عوامل انتقالية تتمثل في ارتفاع أسعار منتجات الطاقة، وتعافي الطلب العالمي عقب استئناف النشاط الاقتصادي، والاضطرابات في سلاسل التوريد.
عائدات السندات الأمريكية
منذ الإعلان عن البدء في خفض مشتريات الأصول من قبل الفيدرالي، بدأت عائدات سندات الخزانة الأمريكية في الصعود في إطار الاستعداد لامتناع البنك المركزي عن شراء كمية كبيرة من سندات الخزانة الأمريكية شهريا، وهي الكمية المعلنة من قبل لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة بـ 10 مليارات دولار من مشتريات سندات الخزانة الأمريكية علاوة على خفض 5 مليار دولار من مشتريات السندات المدعومة عقاريا.
ومعنى خفض مشتريات سندات الخزانة الأمريكية بقيمة 10 مليار دولار شهريا، أن يرتفع المعروض من هذه الأوراق المالية في الأسواق بنفس القيمة. ومن الطبيعي أن تؤدي زيادة المعروض إلى تراجع قيمة تلك السندات.
ومن المعروف أن هناك علاقة عكسية بين قيمة سندات الخزانة الأمريكية والعائدات عليها، مما يجعل تراجع القيمة يؤدي دون شك إلى ارتفاع العائدات، وهو ما يحدث في الوقت الراهن.
التضخم يظهر في المشهد
توالى ظهور بيانات التضخم في الأيام القليلة الماضية، والتي عكست استمرار ارتفاع الأسعار على مستوى المستهلكين والمنتجين على حدٍ سواء، مما أدى إلى تصاعد مخاوف التضخم التي أضرت كثيرا بأصول المخاطرة في الأسواق.
ولم يقتصر الأثر السلبي لتلك الارتفاعات في أسعار المستهلك التي أكدتها البيانات الصادرة الأربعاء على مجرد أضرار بأصول المخاطرة، إذ تضررت أيضا أًول ملاذ آمن مثل سندات الخزانة الأمريكية التي تراجعت قيمتها، مما أدى إلى ارتفاع العائدات عليها.
وهناك علاقة طردية بين التضخم وعائدات سندات الخزانة الأمريكي تقتضي أن ارتفاع التضخم وتوقعاته يؤدي حتما إلى ارتفاع في عائدات سندات الخزانة الأمريكية بسبب التراجع الذي تتعرض له قيمة هذه الأوراق المالية نظرا لتآكل القدرة الشرائية للسيولة التي تنتج عن تسييل هذه الأصول السيادية، وهو ما يدفع بالكثير من المستثمرين إلى بيع تلك السندات أثناء ارتفاعات التضخم الحادة، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع العائدات.
ولم تشهد القراءة السنوية لمؤشر أسعار المنتجين الأمريكيين أي تغيير في أكتوبر الماضي لتثبت عند 8.6% مقابل القراءة السابقة التي سجلت نفس الرقم والتوقعات التي أشارت إلى رقم أكبر، وفقا للبيانات الصادرة الأربعاء الماضي.
لكن القراءة الشهرية للمؤشر سجلت ارتفاعا بواقع 0.6% مقابل القراءة السابقة التي سجلت 0.5%.
وارتفعت قراءة مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي بواقع 0.9% في أكتوبر الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 0.4%، وهو ما جاء أعلى من توقعات السوق التي أشارت إلى 0.6%.
وارتفعت القراءة الشهرية لمؤشر أسعار المستهلك الأمريكي باستثناء أسعار الغذاء والطاقة بواقع 0.6% في أكتوبر الماضي مقابل قراءة الشهر السابق التي سجلت ارتفاعا بواقع 0.2%، مما يشير إلى مستويات أعلى من توقعات السوق التي أشارت إلى 0.4%.
وتقدمت أيضا القراءات السنوية للتضخم في الولايات المتحدة، إذ ارتفعت القراءة السنوية لمؤشر أسعار المستهلك الأمريكي في أكتوبر بواقع 6.2% الشهر الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 5.4% في نفس الشهر من العام الماضي.
وأظهرت القراءة السنوية لمؤشر أسعار المستهلك الأمريكي باستثناء أسعار الغذاء والطاقة ارتفاعا بواقع 4.6% مقارنة بالقراءة المسجلة في نفس الشهر من العام الماضي التي أشارت إلى 4.00%، ما فاق توقعات السوق التي أشارت إلى 4.3%.