نور تريندز / التقارير الاقتصادية / التقاريرالإقتصادية اليومية / باول قد يكرر نفسه والأسواق تستعد لهزة عنيفة
جيروم باول
جيروم باول

باول قد يكرر نفسه والأسواق تستعد لهزة عنيفة

سواء استمر جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، على نفس النهج الهاديء في التعامل مع قضية مخاوف التضخم الذي قد ينشأ عن انفجار الإنفاق عقب تصديق قانون حزمة التحفيز الجديدة أم تخلى باول عن سكينته الحالية، سوف تشهد أسواق المال العالمية الأربعاء المقبل، وحتى إعلان قرارات الفيدرالي وحديث باول، حالة من التذبذب الحاد على مدار الساعات المقبلة.

ولا يقتصر الأمر الأربعاء المقبل على مجرد إعلان قرارات سياسة نقدية من قبل أكبر البنوك المركزية على مستوى العالم، بل يتمتع الاجتماع الحالي للجنة السوق الفيدرالية المفتوحة في مارس في أنه يأتي بعد أيام قليلة من تصديق الرئيس الأمريكي جو بايدن على قانون جعل حزمة التحفيز الثالثة بقيمة 1.9 ترليون دولار واقعا تعيشه الولايات المتحدة بما يمثله ضخ هذا الكم الهائل من السيولة من أهمية فيما يتعلق بتحركات الأصول المتداولة في وول ستريت.

ما الجديد في اجتماع الفيدرالي؟

كان الحديث عن التحفيز، وحتى اعتماد وتصديق الحزمة التحفيزية الثالثة للاقتصاد الأمريكي في مواجهة فيروس كورونا، من أهم الأسباب التي صعدت بالتفاؤل إلى أقصى حد على مدار الفترة منذ العاشر من فبراير الماضي وحتى أيام قليلة مضت.

كان هذا التفاؤل الحاد في الأسواق بمثابة شرارة انطلاق للمستثمرين في أسواق المال العالمية لبيع سندات الخزانة الأمريكية، مما أدى إلى تراجع في قيمة هذا النوع من أصول الملاذ الآمن.

وهناك علاقة عكسية بين قيمة سندات الخزانة الأمريكية والعائدات المستحقة عليها، مما أسفر عن ارتفاع حاد في عائدات السندات لأجل عشر سنوات إلى أعلى مستوى لها في أكثر من عام، فوق مستوى 1.6% ، بسبب التراجع الكبير في قيمتها عقب عمليات بيع مكثفة حدثت بسبب التفاؤل في الأسواق.

وكان من الطبيعي أن يؤدي هذا الارتفاع إلى عدة نتائج؛ أبرز الضغط على الأسهم الأمريكية والذهب وغيرها من أصول المخاطرة، وهو ما حدث بالفعل لأن ارتفاع العائدات على هذه الأصول السيادية الأمريكية يفقد الأسهم جاذبيتها للمستثمرين في الأسواق ويدفع بهم إلى شراء المزيد من هذه السندات الحكومية التي تجمع بين العائد المرتفع وعامل الأمان لأنها مضمونة من وزارة الخزانة الأمريكية.

كما تسبب الارتفاع الحاد في العائدات، عندما اقترن بالحديث عن الكميات الهائلة من السيولة التي ينتظر نزولها الأسواق الأمريكية، في إثارة مخاوف ارتفاعات حاجة في معدل التضخم إلى حدٍ يضر بالمسار المستقبلي للاقتصاد الأمريكي.

هل يكرر باول رسائله؟

على مدار الفترة منذ بداية ارتفاع عائدات سندات الخزانة الأمريكية إلى مستويات تثير القلق، بدأ رئيس الفيدرالي جيروم باول في تصدير رسائل يفترض أن تبعث على الطمأنينة.

وفي شهادته نصف السنوية أمام الكونجرس الأمريكي في فبراير الماضي، أكد باول على أن الفيدرالي مستمر في شراء الأصول حتى تتحسن معدلات التضخم والتوظيف، وهو الجزء الذي ركز عليه المستثمرون في الأسهم الأمريكية، والذي أكد أن الشركات في الولايات المتحدة لا يزال لديها مقعد في الصف الأول لتلقي المزيد من أموال التحفيز والحصول على قروض بتكلفة منخفضة.

كما قلل من شأن مخاوف ارتفاع التضخم المحتمل نتيجة للتحفيز، قائلا “ارتفاع الأسعار مرة واحدة لا يعني بالضرورة ارتفاع حاد في التضخم”، وهو ما اعتبرته الأسواق إشارة إلى التهوين من شأن مخاوف الارتفاع الحاد المحتمل لمعدل تضخم أسعار المستهلك المتوقع أن يكون نتيجة لجهود التحفيز.

وحتى أوائل مارس الجاري، استمر رئيس الفيدرالي في التأكيد على أن الأمور على ما يرام فيما يتعلق بتوقعات التضخم وارتفاع عائدات سندات الخزانة الأمريكية.

وأكد باول إنه لا يتوقع أن تتغير توقعات التضخم التي تلازم الاقتصاد الأمريكي منذ فترة طويل، معربا عن تفائله حيال المسار المستقبلي للاقتصاد الأمريكي.

وقال: “لدي سبب كافي لأتوقع ارتفاع معدل التوظيف، فالولايات المتحدة لا تزال تحت مستوى 10 مليون وظيفة”.

وتوقع باول أن يرتفع التضخم بسبب الزيادة الكبيرة في معدل الإنفاق، أو ما أسماه في تصريحات سابقة “انفجارا في الإنفاق”.

لكن رئيس الفيدرالي شدد على أن “السؤال الملح في الوقت الحالي هو هل يكون (ارتفاع التضخم) انتقاليا؟”

واستبعد أن تتلاشى توقعات التضخم الأمريكي، التي وصفها “بالراسخة”، سريعا، وهو ما يأتي في إطار محاولة لتهدئة مخاوف المستثمرين حيال ارتفاع التضخم.

وأكد، أثناء خطابه في قمة وول ستريت جورنال للتوظيف، أنه “لا يزال أمامنا الكثير من المهام التي علينا القيام بها، فنحن نريد أجورا أعلى. ولدينا أيضا مهام تتعلق برفع مستوى الحد الأقصى للتوظيف”.

وقال: “يتخذ سوق السندات الاتجاه الصاعد ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، لكني أعتقد أنه لا يزال أمامنا طريق طويل لتحقيق أهدافنا. وسوف يزعجني أن تشهد سوق السندات أوضاعا يسودها الاضطراب”.

وأضاف: “لدي أسباب كافية لأعتقد أن النظرة المستقبلية للاقتصاد سوف تكون أعلى من الهامش المتوقع، لكن الأمور سوف تستغرق بعض الوقت لإحراز المزيد من التقدم المستدام”.

وتابع: “إذا شاهدنا ارتفاعا انتقاليا في التضخم، فسوف نلتزم الصبر في التعامل مع هذا الأمر.”

الجديد في هذا الاجتماع

نرجح أن باول سوف يستمر في تصدير رسائله المطمئنة التي تقلل من شأن ارتفاع توقعات التضخم في الفترة المقبلة. كما نتوقع أن يواصل التأكيد على أن الفيدرالي سوف يستمر في شراء الأصول بنفس الحجم الحالي وأنه سوف يبقي على معدل الفائدة كما هو عند نفس المستويات التاريخية المنخفضة لوقت طويل.

لكن الجديد، وما قد يخدم باول أثناء محاولة بث حالة من الارتياح في أسواق المال هو ما حدث من تراجع في مبيعات التجزئة الأمريكية الذي عكس قدرا كبيرا من التدهور في إنفاق المستهلك، وهو ما يخدم حالة الطمأنينة التي يحاول رئيس الفيدرالي أن تسود الأسواق، وذلك لأن مثل هذا التراجع يضعف توقعات ارتفاع هائل في الإنفاق ومن ثم يقلل من شأن أية تكهنات بارتفاع حاد في التضخم.

يُضاف إلى ذلك، أن أي تغيير في تقديرات النمو والتضخم سوف يحتل قدرا كبيرا من الأهمية ومن المتوقع أن يكون هو المحرك الحقيقي للسوق حال تحديث تلك التقديرات إيجابا أو سلبا.

كما يتوقع أن تكون أية إشارة إلى إلى تغيير في توقعات الفائدة الفيدرالية في بيان الفيدرالي من محركات السوق أيضا.

ومن الأهمية بمكان أيضا أن تابع ما بعد إعلان قرارات الفيدرالي وبيان الفائدة وتقديرات النمو والتضخم، وهو حالة السكينة التي يتمتع بها باول أثناء الحديث عن الارتفاعات المحتملة للتضخم والصعود الحاد في عائدات سندات الخزانة الأمريكية.

وحال تمسك باول بالهدوء أثناء الحديث عن الارتفاع الحالي لعائدات سندات الخزانة الأمريكية وتقليله من شأن هذا الارتفاع وما يمكن أن يؤدي إليه من آثار اقتصادية، فسوف ينتقل هذا الهدوء بسلاسة إلى الأسواق.

كما نرى أن ثبات باول على موقفه من أن أي ارتفاع كبير في التضخم الأمريكي سوف يكون مؤقتا نتيجة لعوامل انتقالية، سوف يكون من العوامل التي من شأنها نقل حالة من الارتياح الرسمي إلى الأسواق، مما يصب في صالح أصول المخاطرة في مقدمتها الأسهم الأمريكية.

تحقق أيضا

أداء سوق الأسهم في الربع الأول من عام 2024

ارتفعت الأسهم الأمريكية منذ أوائل العام 2024، متحديةً مخاوف ارتفاع معدلات الفائدة وتأجيلات خفضها حتى …