انطلق اليوم الثلاثاء الموافق 9 ديسمبر، الاجتماع الحاسم للجنة السوق المفتوحة الفيدرالية، ليختتم أعماله غداً الأربعاء الموافق 10 ديسمبر بإعلان أحدث قرارات البنك المركزي بشأن السياسة النقدية. يُنظر إلى هذا الاجتماع، وهو الأخير في عام 2025، على أنه حدث بالغ الأهمية، كونه يضع اللبنة الأخيرة في عام مضطرب كان الاقتصاد الأمريكي فيه يتأرجح بين رياح معاكسة جديدة في سوق العمل وتضخم مدفوع بالرسوم الجمركية، ويرسم خريطة الطريق لاستقبال عام 2026 وسط ترقب كبير في وول ستريت.
وتترقب الأسواق إعلان قرار المركزي الأمريكي بحذر شديد، ليس فقط لقرار خفض الفائدة المتوقع، بل للإشارات المستقبلية الحاسمة التي ستبلغ ذروتها في “ملخص التوقعات الاقتصادية” أو ما يعرف بـ “مخطط النقاط” الذي يكشف توقعات البنك لأسعار الأموال الفيدرالية في نهاية عام 2026.
خفض شبه مؤكد.. وانقسام حول وتيرة التيسير
على نطاق واسع، تتوقع الأسواق أن يقر الفيدرالي خفضاً ثالثاً على التوالي لسعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية (25 نقطة أساس). وتُثمن الأسواق احتمال هذا الخفض بنسبة شبه مؤكدة تصل إلى 95%، بل وتتجاوز ذلك لتصل إلى 100% في بعض التقديرات، ما من شأنه أن يقلص النطاق المستهدف لسعر الفائدة إلى ما بين 3.50% و 3.75%. ومع أن القرار يبدو محسوماً تقريباً، فإن اجتماع ديسمبر يوصف بأنه أحد الاجتماعات الأكثر صعوبة وتكمن الأهمية والصعوبة معًا بالحدث الأهم الذي يترقبه المستثمرون في الإشارات التي من المتوقع أن يبثها البنك المركزي بشأن وتيرة التيسير الكمي في المرحلة المقبلة، وما إذا كانت دورة التيسير القادمة في عام 2026 ستكون بوتيرة متسارعة أم تدريجية.
المبررات الاقتصادية للخفض: سوق عمل ضعيف وتضخم مستقر
تستند التوقعات بخفض الفائدة إلى عدة حجج اقتصادية قوية، أبرزها تراجع نمو الوظائف بشكل لا يواكب نمو المعروض من اليد العاملة، وارتفاع معدل البطالة. ويشير الخبراء إلى أن مؤشرات أخرى لضيق سوق العمل تراجعت بمتوسط أكبر، وبدأت بعض مقاييس التسريح البديلة في الارتفاع مؤخراً، مما يمثل “خطراً سلبياً جديداً وربما أكثر خطورة”. وقد أظهر سوق العمل تراجعاً كبيراً ومفاجئاً في شهر نوفمبر، حيث خسر القطاع الخاص نحو 32 ألف وظيفة، في أكبر تراجع في أكثر من عامين ونصف، على عكس التوقعات بالزيادة. وكانت الشركات الصغيرة، التي توظف ما يقرب من نصف القوى العاملة الأمريكية، هي الأكثر تضرراً، إذ يبدو أنها خفضت التوظيف أو جمدت التعيينات نتيجة ارتفاع التكاليف وعدم اليقين بشأن مسار الاقتصاد. هذه المؤشرات تتزامن مع تراجع مؤشر مديري المشتريات التصنيعي (ISM) لشهر نوفمبر إلى 48.2 نقطة، وهو أدنى مستوى في أربعة أشهر.
على صعيد التضخم، جاءت بيانات مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي (PCE)، المقياس المفضل للفيدرالي، متماشية مع التوقعات، مسجلة ارتفاعاً شهرياً بنسبة 0.3% وسنوياً بنسبة 2.8%. وتشير هذه البيانات إلى استقرار نسبي في الأسعار، وتوفر “غطاءً إضافياً” يسمح للفيدرالي بقطع سعر الفائدة في اجتماعه. كما ارتفع الإنفاق الشخصي بنسبة 0.3% شهرياً، وتجاوز الدخل الشخصي التوقعات بارتفاعه بنسبة 0.4% شهرياً. وفي المقابل، ظهرت بيانات إيجابية داعمة لتوجهات تشددية من بيانات التوظيف بالقطاع الخاص ADP، وارتفاع مؤشر فرص العمل (JOLTS) في أكتوبر إلى 7.670 مليون فرصة عمل، ما يبرر كون الاجتماع مثيراً للغاية.
توقعات عام 2026: “مخطط النقاط” واتجاه رياح السياسة النقدية
تتجه الأنظار بقوة إلى أمرين رئيسيين لتحديد مسار 2026. أولاً، مخطط النقاط (Dot Plot): حيث سيكشف ملخص التوقعات الاقتصادية للفيدرالي (SEP) عن توقعاته الرسمية لسعر الفائدة في نهاية عام 2026. يتوقع الاقتصاديون عموماً المزيد من تخفيضات أسعار الفائدة لعام 2026، على الرغم من أن التوقيت لا يزال غير مؤكد. وثانياً، البديل السياسي لمحافظ الاحتياطي الفيدرالي “جيروم باول”.
ويُعد المؤتمر الصحفي لرئيس الفيدرالي جيروم باول حدثاً بالغ التأثير، خاصة بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب أنه سيكشف عن اختياره لرئيس جديد لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في أوائل عام 2026. وذكرت تقارير اقتصادية أن مدير المجلس الاقتصادي الوطني، كيفن هاسيت، يُعتبر المرشح الأوفر حظاً لخلافة باول في المنصب. ويُنظر إلى ترشيح هاسيت على أنه من المحتمل أن يكون سلبياً بالضرورة للدولار كونه أكثر المرشحين ميلاً للسياسة التيسيرية.
والأخطر هو إثارة التساؤلات حول استقلالية الفيدرالي، نظراً لدعمه الصريح لتوجهات ترامب نحو خفض الفائدة. يضاف إلى ذلك، أن البيت الأبيض يعتزم الضغط من أجل قاعدة جديدة تنص على أن رؤساء البنوك الإقليمية للفيدرالي يجب أن يكونوا قد عاشوا في مناطقهم لثلاث سنوات على الأقل قبل تولي المنصب، في خطوة هدفها تعزيز التمثيل المحلي، لكنها تنظر إليها الأسواق كتدخل محتمل في شؤون البنك المركزي المستقل.
ردود أفعال الأسواق العالمية قبيل القرار
تتسم ردود أفعال الأسواق قبيل القرار بالتذبذب والحذر، مع تباين في حركة العملات والسندات:
الدولار الأمريكي: تعرض الدولار الأمريكي لخسائر كبيرة في الأسبوع الماضي بفعل توقعات خفض الفائدة. ورغم ارتفاعه الطفيف بنحو 0.2% اليوم الثلاثاء قبل يوم من إعلان القرار، إلا أن مكاسبه تظل محدودة على المدى القريب وسط التوقعات القوية لدورة التيسير القادمة. ويُعزى هذا التعافي المحدود إلى عمليات شراء لتغطية الخسائر السابقة التي تكبدها، وإلى البيانات التي أظهرت ارتفاعاً غير متوقع في مؤشر فرص العمل (JOLTS) في أكتوبر إلى أعلى مستوى في خمسة أشهر، وهو ما يُنظر إليه كعامل داعم للتشديد الكمي وبقاء الفائدة أعلى لمدة أطول.
عائدات السندات: استقرت عائدات سندات الخزانة الأمريكية في الاتجاه الصاعد، حيث ارتفع عائد السندات لأجل 10 سنوات بأكثر من نقطتي أساس ليصل إلى 4.168%. كما ارتفعت عائدات السندات لأجل 30 سنة إلى 4.811%، وعائدات السندات لأجل سنتين إلى 3.579%. ويستند هذا الارتفاع بشكل أساسي إلى التوقعات بخفض الفائدة، نظراً للعلاقة العكسية بين قيمة السندات وعوائدها، فكلما هبطت قيمة الأوراق المالية بسبب تراجع العائدات المستقبلية على الدولار، ارتفعت العائدات عليها.
الأسهم: شهدت مؤشرات الأسهم الأمريكية اليوم أداءً متبايناً مع انطلاق اجتماع الفيدرالي، حيث ارتفع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 0.3%، ومؤشر ستاندرد آند بورز 500 بأقل من 0.1%، بينما تراجع مؤشر ناسداك 100 للتكنولوجيا الثقيلة بنسبة 0.3%. وتستفيد الأسهم بشكل عام من أي إشارات محتملة لخفض مستقبلي في الأسعار، فالمؤشرات تخضع لقاعدة بسيطة: أي إشارات محتملة لخفض مستقبلي تقابل بارتفاع في الأسهم (السياسة التيسيرية).
الين الياباني والبيتكوين: على صعيد متصل، سجل الين الياباني هبوطاً حاداً مقابل الدولار، متراجعاً لأدنى مستوى له في أسبوعين. وجاء هذا الهبوط بفعل تصريحات محافظ بنك اليابان، كازو أويدا، التي أشار فيها إلى أن وتيرة ارتفاع عائدات السندات اليابانية طويلة الأجل “سريعة إلى حد ما”، ما يثير احتمال قيام البنك بشراء المزيد من السندات الحكومية، وهو إجراء يندرج تحت بند التيسير الكمي السلبي للعملة. أما عملة البيتكوين المشفرة، فقد حققت تعافياً نسبياً بارتفاعها بنحو 3.4% بعد ثلاثة أيام من الهبوط، رغم أن بعض المستثمرين لا يزالون قلقين بشأن تراجعها مجدداً دون مستوى 90,000 دولار.
تحليل تأثير خفض معدلات الفائدة على الاستثمارات
يُعتبر خفض معدلات الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر 2025 خطوة إيجابية عامة للاستثمارات، حيث يقلل من تكاليف الاقتراض ويجعل الأصول الخطرة مثل الأسهم أكثر جاذبية مقارنة بالاستثمارات ذات العائد الثابت مثل السندات أو حسابات التوفير. وفقًا لتحليلات من مورنينغستار، فإن انخفاض المعدلات يقلل من العوائد المطلوبة لتبرير الاستثمار في الأصول الخطرة، مما يدفع إلى ارتفاع أسعار الأسهم، كما حدث في الدورات السابقة حيث أدت التخفيضات إلى نمو في مؤشرات مثل S&P 500. ومع ذلك، قد يأتي هذا الخفض مع نبرة حذرة)، ما يحد من الارتفاعات في الأسواق، خاصة إذا أشارت التوقعات إلى تباطؤ في 2026. بالنسبة للمستثمرين في الودائع أو الشهادات ذات العائد العالي، سيؤدي الخفض إلى انخفاض العوائد، بينما يفيد المقترضين مثل مشتري المنازل من خلال انخفاض أسعار الفائدة على الرهون العقارية. كما يمكن أن يعزز الاستثمارات في الأصول الحقيقية مثل العقارات أو السلع، لكن مع مخاطر إعادة إشعال التضخم إذا كان الخفض سريعًا جدًا، مما قد يؤثر سلبًا على الاستثمارات طويلة الأجل.
مسار الفائدة في 2026: توقعات حذرة وتباطؤ محتمل
فيما يتعلق بمسار الفائدة لعام 2026، يُتوقع أن يحدث “مخطط النقاط” في اجتماع ديسمبر تحديثًا يشير إلى تباطؤ في وتيرة الخفضات، مع توقعات بمعدل فائدة فيدرالي متوسط يصل إلى حوالي 3.4% بنهاية العام، وفقًا للبيانات الأخيرة من سبتمبر التي أشارت إلى خفضين إضافيين فقط. يتوقع الاقتصاديون، كما في استطلاعات بلومبرج، خفضين آخرين في 2026 بدءًا من مارس، مما يعكس تحولًا نحو سياسة أكثر حيادية مع نمو اقتصادي متوقع بنسبة 2%، لكن مع مخاطر تضخمية قد تؤدي إلى وقف خفض الفائدة إذا ارتفع التضخم فوق 2.8%.
كما يشير تقرير جي بي مورجان إلى خفض واحد فقط في 2026، مع تركيز على الاستقرار، مما قد يؤثر على الأسواق بتقليل التوقعات التيسيرية وتعزيز الدولار مقابل العملات الأخرى. هذا المسار الحذر يهدف إلى تجنب الركود، لكنه يعتمد على تطورات السياسة المالية والجيوسياسية، وقد يتغير مع أي تغييرات في قيادة الفيدرالي.
الخفض المتوقع: يُتوقع خفض سعر الفائدة بنسبة 25 نقطة أساس في اجتماع ديسمبر 2025، مما يجعله الثالث على التوالي، لكن مع إشارات حذرة تشير إلى تباطؤ الوتيرة في 2026 بسبب مخاوف من إعادة إشعال التضخم.
التأثيرات الرئيسية: قد يدعم هذا الخفض النمو قصير الأجل وسط تباطؤ في سوق العمل، لكنه يعكس انقسامات داخل اللجنة، مع احتمال تصويت معارض من بعض الأعضاء، وتأثير محتمل على استقلالية الفيدرالي في ظل تغييرات سياسية محتملة.
2026: يُتوقع أن يظهر “مخطط النقاط” (dot plot) خفضًا واحدًا أو اثنين فقط، مما يشير إلى سياسة أكثر حيادية، مع نمو اقتصادي متوقع بنسبة 2.0-2.2%، لكن مع مخاطر تضخمية.
السياق الاقتصادي: يأتي القرار وسط بيانات متباينة، حيث أظهر تقرير ADP خسارة غير متوقعة بنحو 32 ألف وظيفة في نوفمبر 2025، مما يعكس ضعفًا في سوق العمل، بينما يظل التضخم عند 2.8% سنويًا، فوق الهدف البالغ 2%. هذا يدعم الخفض لكن يثير مخاوف مصحوبة بتحذيرات من عدم الحاجة إلى مزيد من الخفض قريبًا.
التأثيرات على الأسواق: شهدت الأسواق تذبذبًا، مع ارتفاع عائدات السندات لأجل 10 سنوات إلى حوالي 4.17%، وتراجع الدولار مؤخرًا قبل تعافٍ طفيف. الأسهم متباينة، مع ارتفاع داو جونز بنسبة 0.3%، بينما يتعافى البيتكوين بنسبة 3.4% بعد هبوط. الين الياباني يتراجع أمام الدولار بسبب سياسات بنك اليابان.
التحديات المستقبلية: مع احتمال خلافة جيروم باول بمرشح مثل كيفن هاسيت، الذي يميل للتيسير، قد يزداد الضغط السياسي على استقلالية الفيدرالي، مما يؤثر على الثقة في الأسواق.
نور تريندز أخبار وتحليل فني وأدوات تعليمية وتوصيات